خطب الجمعة

خطبة الجمعة 9 ديسمبر 2022م

القاها الأمير: عبدالمحمود أبو بمسجد الهجرة بودنوباوي

أعوذ بالله من الشيطن الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان، وجعله خليفة في الأرض، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله القائل:(يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ولا فضل لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي ولا أحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى؛ إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ألا هل بلغت؟ ألا فليبلغ الشاهد الغائب). صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد؛

قال تعالى: ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)) صدق الله العظيم

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز

تمر بنا غدا الذكرى الرابعة والسبعون للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر عام 1948م. وهو إعلان جاء عَقِبَ الحروب الدامية التي شهدتها الإنسانية وأشهرها الحربين العالميتين؛ فقد خلفت الحروب آثارا فظيعة على الإنسان والعمران والحيوان والبيئة ورأى الإنسان فظاعة الحروب ووحشيتها وكيف أن البشر الوديع في ظل الحرب يتحول إلى وحش كاسر يدمر كل ما بناه بيده.

لقد اندلعت الحروب لأسباب مختلفة: دينية وسياسية وعرقية ومطامع اقتصادية واستعمارية؛ واستعملت فيها كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، وكانت أوروبا واليابان من أكثر الدول تضررا؛ فتحرك العقلاء لوضع ميثاق يضع حدا للحروب وآثارها وإلزام الدول بإعلاء كرامة الإنسان وصيانة حقوقه وحرياته.

جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لوضع حد للانتهاكات التي تقع على الإنسان ولقفل الباب لحقبة سوداء خيمت على الحياة البشرية، وفتح صفحة جديدة لحياة إنسانية تقوم على صيانة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وكرامته الإنسانية.

إن منهج الإسلام في تحديد موقفه من العطاء الإنساني؛ ليس هو الرفض المطلق، ولا القبول المطلق، وإنما يتعامل مع كل عطاء إنساني بمنهج الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها. وهو منهج أَصَّلَهُ القرآن الكريم وجسدته السنة النبوية؛ ففي القرآن الكريم جاء قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)) وفي السنة النبوية قال صلى الله عليه وسلم عن حِلْفِ الفضول الذي شهده قبل بعثته في دار عبدالله بن جدعان ” لو دُعِيتُ إلى مثله في الإسلام لأجبت” بناء على هذا المنهج قدم الحبيب الحقاني عليه من الله الرحمة والرضوان أطروحة بعنوان : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من منظور إسلامي وبعد دراسة معمقة قدم التوصيات الآتية:

1. هنالك تطابق جوهري بين مبادئ الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والإسلام لا سيما فيما يتعلق بكرامة الإنسان وإخائه، وكرامة النفس الإنسانية، والحريات الاساسية.

2. احترام الهوية الثقافية واجب. ينبغي ضم حق الهوية الثقافية لحقوق الإنسان.

3. إن المخاطر المحيطة بالبيئة تشكل خطراً على حقوق الاجيال القادمة. إن حقوق أجيال المستقبل يجب تعريفها واحترامها.

4. إن مشكلة الفقر في جنوب العالم تهدد جزءاً كبيراً من الإنسانية بالحرمان من حق أساسي هو الحياة. على الامم المتحدة أن تقوم بمبادرات مكثفة للقضاء على الفقر والجوع في العالم.

5. إن للأديان اليوم موقفاً ايجابياً مع حقوق الإنسانية. المطلوب عقد مؤتمر جامع للأديان لمراجعة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لإثرائه روحياً وخلقياً ومباركته وقفل الباب محكماً أمام الاحتجاج بالتنوع الديني والخصوصية لحماية نظم الاستبداد والطغيان.

6. نعم للمحكمة الجنائية العالمية الدائمة لمحاكمة المجموعات الاربعة من الجرائم، لا سيما الجرائم ضد الإنسان. ينبغي أن تجعل الامم المتحدة الالتزام بحقوق الإنسان شرطاً لعضويتها.

7. ان انتهاك حرمة الأفراد لأغراض سياسية، وللاغتيال الأدبي للأشخاص، قد أدى للمفاسد والترويج للمشاهد الفاضحة. اقتباسا من الإسلام ينبغي النص على احترام الحرمات الشخصية دون التراخي في محاربة الرذيلة. إن كفالة الحرمات الشخصية حق إنساني. انتهى.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

لقد كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان وتتجلى مظاهر تلك الكرامة في الآتي:

أولا: حدد وظيفته قبل خلقه حيث خاطب الملائكة قائلا: ” إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً “

ثانيا: أمر الملائكة بالسجود له قائلا: ” فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ”

ثالثا: كرمه بالعقل والحرية وحق الاختيار، قال تعالى: ” وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ”

رابعا: سخر الكون لخدمته قال تعالى: ” اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي البَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ”

خامسا: كرمه بإرسال الرسل من بني جنسه ليبلغوه مراد الله قال تعالى: ” ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ”

سادسا: حرم انتهاك حرمته، قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”

سابعا: وسع عليه مجال التوبة وتكفير السيئات، قال تعالى: ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ”

إن الإسلام يحصن حقوق الإنسان بعدة قواعد:

القاعدة الأولى: جعلها أمانة في أعناق كل المؤمنين مطالبون بالمحافظة عليها وصيانتها.

القاعدة الثانية: أعطاها بعدها الإنساني بعيدا عن الفوارق الطبقية والنوعية فهي حقوق لكل الناس.

القاعدة الثالثة: جعلها شاملة وإيجابية وأعطاها قوة التنفيذ

القاعدة الرابعة: عزز سلطة القانون الحامي لتلك الحقوق بسلطة الضمير الديني

القاعدة الخامسة: ارتباط حق التشريع بالله سبحانه وتعالى يضيق من فرص ظهور السلطة المطلقة أو السلطة الدينية.

الحديث: قال صلى الله عليه وسلم: ” هل تدرون من المفلس؟” قالوا المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع، قال : ” إن المفلس من أمتي: من يأت يوم القيامة بصيام وصلاة وزكاة، ويأتي قد شتم عرض هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، فيقعد فيقتص هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه من الخطايا؛ أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار “رواه مسلم أوكما قال يغفر الله لي ولكم وللمسلمين أجمعين.

“الخطبة الثانية”

الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم

وبعد

قال تعالى: ((قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)) صدق الله العظيم

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

درست هيئة شؤون الأنصار في جهازها التنفيذي، نص الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه بين المكون المدني والمكون العسكري، والذي يهدف لاستعادة الحكم المدني الانتقالي لإكمال المرحلة الانتقالية، وبعد نقاش مستفيض لبنود الاتفاق وأهدافه، قررت بالإجماع الترحيب به ودعمه باعتباره يمثل الحد الأدنى الممكن التوافق عليه في هذه المرحلة من تاريخ بلادنا؛ وهنالك مطالب كثيرة ليس من شأن الاتفاق أن يلبيها لطبيعته الانتقالية، فالمطالب التي تحتاج إلى حوار أوسع وتفاوض بين جميع مكونات المجتمع مكانها المؤتمر القومي الدستوري والحكومة المنتخبة المفوضة من الشعب السوداني؛ وبناء على ذلك واستكمالا للمهمة الشاقة التي تتطلب تنزيل الاتفاق لأرض الواقع نقول الآتي:

أولا: نشكر كل الذين ساهموا وبذلوا جهدهم للوصول لهذا الاتفاق من أصحاب المصلحة في المكون المدني والمكون العسكري والوسطاء الإقليميين والدوليين، والشكر الخاص للجان المقاومة والثوار الذين صمدوا خلف مطالبهم حتى تمت الاستجابة لها، ونحيي الذين استشهدوا والجرحى والمصابين وأسرهم وتقول لهم إن تضحياتكم حققت بعض أهدافها وستتحقق البقية بإذن الله بدعمكم وحراستكم ومراقبتكم لتنفيذ هذا الاتفاق الإطاري.  

ثانيا: إن أزمة الحكم في السودان عميقة وُلِدت مع ميلاد الدولة، وظلت تؤرق كل الأنظمة الوطنية منذ الاستقلال؛ وقد أدرك السودانيون أن سبب الأزمة يكمن في غياب المشروع الوطني الذي يلتف حوله المواطنون باختلاف توجهاتهم للنهوض بوطنهم لمصاف الدول المتقدمة القادرة على حماية نفسها وتوظيف مواردها لإسعاد شعبها؛ هذا الغياب جعل نظم الحكم متقلبة بين الشمولية القابضة والديمقراطية غير المحصنة، والانتقالية المهزوزة؛ جاء هذا الإتفاق ليحسم هذا الاضطراب ويؤكد مدنية الدولة، وتحديد مهام مكوناتها العسكرية والمدنية والسياسية والعدلية والشرطية والمخابراتية؛ ليلتزم كل مكون باختصاصاته وفق القانون ويحترم الدستور الذي يختاره الشعب بإرادته الحرة.

ثالثا: هذا الاتفاق محصور في الفترة الانتقالية، وقد حدد القضايا التي يعالجها وهو برنامج الحد الأدنى الذي يهتم بالقضايا الكلية التي جسدتها شعارات ثورة ديسمبر والمتمثلة في الحرية والسلام والعدالة ونظرا لمحدودية الفترة الانتقالية وعظم القضايا التي تواجهها وتشعبها؛ فإنه يتعذر عليها تلبية كل المطالب التي يرجى أن تعالجها الأحزاب السياسية من خلال برامجها التي تتقدم بها للشعب السوداني ليختار بإرادته الحرة البرامج التي تلبي طموحاته، ويفوض من يمثله لتحقيقها. عليه فمطلوب من كل حزب يرى أن برنامجه هو الأصلح أن يتقدم به للشعب السوداني في نهاية الفترة الانتقالية ليقرر بشأنه.

رابعا: لقد عانى الشعب السوداني من انفراط الأمن وضيق المعيشة وغلاء الأسعار وتردي الخدمات وغياب الحكومة، حتى كاد أن يصل إلى مرحلة اليأس؛ هذا الاتفاق استعاد الدولة السودانية لمسارها الصحيح بتحديد المسئولية عبر توافق بين المكون العسكري المسيطر على مفاصل الدولة، والمكون المدني المتغلغل في الشارع الثوري؛ ويرجى أن يتسع ليشمل أكبر دعم شعبي من القوى السياسية الممانعة والمتحفظة بعد أن اتضح أنه لا يسيطر عليه أحد ولا يقصي أحدا؛ بل هو مفتوح لإضافة أي رؤية تعزز من أهدافه الأساسية (الحكم المدني، والحرية، والعدالة، والمساوة، والسلام، والمواطنة،  والعلاقات الخارجية المتوازنة والمحققة للمصالح الوطنية، والتزام كل مكون بالمهام المخصصة له).

خامسا: التزم الاتفاق بالقضايا الكلية المتفق عليها من معظم السودانيين وأرجأ القضايا المختلف عليها مثل: (العدالة، والعدالة الانتقالية، وجبر الضرر، وقضايا الدين والدولة، والهوية، واستعادة الأموال المنهوبة، وغيرها) لتعالج في مناخ معافى من الاستقطاب، والتهييج، والمزايدة، وعبر الحوار الهادئ، وعن طريق آليات تتوفر فيها العدالة والحيدة والرضا العام؛ إحقاقا للحق وإبطالا للباطل بعيدا عن التشفي وظلال الأيديولوجيات والانتقام.

سادسا: ما يميز هذا الاتفاق أنه تم داخل السودان وبإرادة سودانية خالصة، وكان دور الوسطاء الإقليميين والدوليين دور المسهل والمساعد في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء، وهو دور محمود يشكروا عليه؛ بينما الاتفاقيات السابقة تمت خارج السودان في أبوجا ونيفاشا والدوحة؛ ولم يكتب لها التوفيق؛ إن التحفظ على بعض فقراته مفهوم والنقد مطلوب لتجويده، ولكن الاعتراض من أجل الاعتراض دون تقديم البديل الأفضل يدخل في باب عدم الموضوعية.

سابعا: وجد هذا الاتفاق تأييدا إقليميا ودوليا محترما في ظل الأوضاع الحالية لبلادنا والعالم مشغول بقضايا كبرى تؤثر على الأمن والسلم الدوليين؛ هذه الفرصة التاريخية يجب استغلالها وتوظيفها فالعبرة ليست في النصوص المكتوبة وإنما العبرة بالروح الصادقة الملتزمة بالوفاء بالعهود والالتزام بجوهر المواثيق؛ قال تعالى: ” وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ” وعليه فإن الأطراف الموقعة مطالبة بخطوات سريعة لتنزيل جوهر الاتفاق لأرض الواقع، وذلك وفق الخطوات التالية: الخطوة الأولى: الإسراع في اختيار رئيس وزراء من أهل الكفاءة والخبرة لتشكيل حكومته لسد الفراغ الحالي في الدولة، الخطوة الثانية الاتصال بكافة الأطراف المتحفظة من أصحاب المصلحة لتوضيح النقاط المتحفظ عليها، واستصحاب الآراء التي تساعد على تجويد وإحكام الاتفاق، فكل جهد بشري قابل للتعديل والإصلاح والإكمال، والخطوة الثالثة القيام بنشاط توعوي وتثقيفي مكثف لشرح وتوضيح أهمية الاتفاق للشعب السوداني لدعمه.

إن بلادنا تمر بمرحلة حرجة، وشعبنا عانى كثيرا في حياته، وشبابنا قدموا أرواحهم فداء لمطالبهم المشروعة؛ آن الأوان ليتجاوز الجميع محطة التخندق، ويوقفوا الاستقطاب والاستقطاب المضاد، وبتوجهوا جميعا لبناء الوطن ومعالجة القضايا العالقة بالتفاوض والحوار مقدمين مصالح الوطن العليا على أي اعتبار.

قال تعالى: ” لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً”.

  اللهم أحفظ بلادنا من الفتن ما ظهر منها ومابطن، ووفق شعبنا على توحيد الكلمة واتفاق القول لإصلاح حال البلاد والعباد وهيئ لنا من أمرنا رشدا؛ اللهم تقبل أبناءنا الذي ضحوا من أجل الوطن شهداء عندك وفرحهم باتفاق من خلفهم على الأهداف التي استشهدوا من أجلها.                 

عباد الله ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

خطبة ذكرى رحيل الحقاني

هيئة شؤون الأنصار للدعوة والإرشاد

الجمعة: 21 ربيع الآخر 443هـ – 26 نوفمبر 2021م

أعوذ بالله من الشيطن الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل رسالة الإسلام خاتمة الرسالات، وجعل سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كتب الفناء على جميع المخلوقات وتفرد بالبقاء القائل:” كل شيء هالك إلا وجهه” وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الامة وكشف الغمة ومحا الظلمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه البقين، صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال تعالى:” رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ “. صدق الله العظيم

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

يبدو أن لنا مع نوفمبر قصة؛ مليئة بالأحزان والأفراح، ولكن الحزن كان الغالب؛ فهنالك أحداث كثيرة ارتبطت به؛ ففي نوفمبر كانت شيكان، وفي نوفمبر كانت أم دبيكرات، وفي نوفمبر كان وعد بلفور؛ الذي بموجبه كان قرار توطين اليهود في فلسطين، وفي نوفمبر كان انقلاب عبود، وفي نوفمبر كان مجزرة الأربعاء سيئة الذكر، وفي نوفمبر كانت عودة حمدوك، وفي نوفمبر كان رحيل الحبيب. في هذا اليوم تمر بنا الذكرى الأولى لرحيل الحبيب الإمام الحقاني الصادق المهدي؛ عليه من الله الرحمة والرضوان.

لقد ترك رحيله فراغا كبيرا نفسيا وفكريا وسياسيا وقياديا على محبيه وعارفي فضله داخليا وخارجيا، لما له من تأثير محلي وإقليمي ودولي، وبصماته الإنسانية واضحة لكل من عرفه.

إن كياننا أسس على الجهاد والاجتهاد والصبر على الشدائد والمشاق؛ فمنذ أن أعلن الإمام الأكبر أنه عبد مأمور بإحياء الكتاب والسنة المقبورين حتى يستقيما، حدد رسالة هذا الكيان ووظيفته، وأعلن أن من دخل فيه بلا بصيرة خرج بلا بصيرة. فمن فهم طبيعة هذا الكيان فالنعمة لا تبطره والمحنة لا تزلزله؛ فالمزايا في طي البلايا وروشتة التعامل مع الابتلاءات وردت في الراتب “اللهم اجعلنا من العارفين لحسن قدرك، الصابرين عليه رجاء لوعدك، ورغبة في الصلوات، والرحمة مع هدايتك، واجعلنا ممن آثر المسكنة لحسن الوعد الدائم عندك. ولا تجعلنا ممن آثر الشؤون الفانية مع ذمك، والشهوات الزائلة مع تبعيدها عنك، واجعلنا ممن آثر التقوى والوفاق، والصبر على الشدائد والمشاق، رغبة في دوام القرب والتلاق، وقَوِّ نورنا ليهون علينا ذلك، واجعل لنا قوة منك على تحمل ما يرضيك”. هذه الروشتة كانت علاج المنتمين لكيان الأنصار أفرادا وجماعات في مواجهة كل الصدمات والمحن والابتلاءات؛ وبفضل الله في كل مرحلة من المراحل كانت الابتلاءات حارقة يخرج الكيان منها أكثر لمعانا وبريقا كعود زاده الإحراق طيبا.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز:

لقد علمنا ديننا أن نأخذ العبرة من قصص سلفنا وأن نقتدي بالأنبياء والمرسلين وأئمة الهدى، ولا شك أن حبيبنا الراحل كان من أئمة الهدى في هذا العصر. قال صلى الله عليه وسلم:” يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله؛ ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين”. لقد جاهد الحبيب الإمام واجتهد طيلة حياته العامرة من أجل نصرة الدين وحمايته من التحريف والانتحال والتأويل الفاسد؛ وحماية الوطن من التمزق وحماية إنسان السودان من سياط الجلادين واستبداد الطغاة وحماقات الغلاة والمتطرفين.

لقد غاب الإمام عنا بجسده ولكنه باق معنا بفكره وحكمته ومبادئه وإنسانياته ومواقفه التي سماها مشارع الحق؛ إننا في ذكراه الأولى نحييه في عليائه، ونذكر أنفسنا ببعض مفردات عطائه التي ستكون أمام أعيننا نستمد منها الرشد والاقتداء؛ فالمنهج كما أنه يقوم على التجديد والاجتهاد؛ فهو يستند على الأسس والمبادئ والقيم المحصنة بمرتكزات ثابتة تتجدد وسائل تطبيقها على حسب الوقت والحال. “واجعلنا وأصحابنا على أثر نبيك صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام ولا تزغ بنا عن سكتهم إلى أن نلقاك سالمين من الآثام”.

بعض مفردات الأثر الباقي من عطاء الحبيب الإمام:

أولا: في مجال الدعوة الإسلامية العامة فإن عطاء الإمام تمثل في تحديد منهج فهم الإسلام القائم على استصحاب مصادر المعرفة الأربعة (الوحي والالهام والعقل والتجربة) وقراءة الكتاب المسطور مع الكتاب المنظور، وربط النصوص بالمقاصد، والتمييز بين الثوابت والمتغيرات، وأن يكون الخطاب ملبيا للمطالب الفطرية العشرة.

إن مفردات العطاء الدعوي للحبيب الإمام مبثوثة في كتبه وأوراقه التي شكلت معالم مدرستنا الدعوية، ومنها (الصحوة الإسلامية ومستقبل الدعوة، والعقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الإسلامي، ومستقبل الإسلام في السودان، والمنظور الإسلامي للتنمية الاقتصادية، والمرأة وحقوقها الإسلامية والإنسانية، ونحو مرجعية إسلامية متجددة).

ثانيا: في مجال الدعوة الأنصارية، فإن عطاء الإمام برز في أمرين هما: بلورة معالم المدرسة الفكرية، ومأسسة الكيان؛ فالأمام الصادق المهدي له من الله الرحمة والرضوان بذل جهدا كبيرا في توضيح أسس ومرتكزات الدعوة الأنصارية التي جاءت بها المهدية وتمييزها عن المدارس الأخرى؛ فبين مرتكزاتها وقعد قواعدها، وشرح منهجها، وأثبت بالدليل استجابتها لتطلعات أهل القبلة في وقتها، وقدرتها على التجديد والمواكبة من خلال منهجيتها، وأنها الأصلح للتوفيق بين الأصل والعصر، لالتزامها بمصدري التشريع الكتاب والسنة، وعدم تقيدها المذهبي، وتبنيها الاجتهاد لمواجهة المستجدات، انطلاقا من قاعدة: “لكل وقت ومقام حال ولكل زمان رجال”. كما أنه صاحب فكرة نقل العمل الدعوي من التلقائية والعفوية إلى المؤسسية؛ فكانت هيئة شؤون الأنصار هي الأثر الباقي من إنجازه المؤسسي؛ فكل المنتمين للدعوة يقومون برسالتهم الدعوية عبر المؤسسة، تفجيرا لطاقاتهم، وتنظيما لعضويتهم، واستصحابا لآرائهم التزاما بفريضة الشورى التي هي خصيصة من خصائص هذه الأمة “وأمرهم شورى بينهم”. ومن أراد الاستزادة فليراجع مؤلفات الإمام (يسألونك عن المهدية، وأيديولوجية المهدية، وعبد الرحمن الصادق إمام الدين)

ثالثا: في مجال التعاطي مع التجربة الإنسانية: الإنسان بنيان الله؛ هذا عنوان لأحد كتب الإمام؛ لقد اجتهد الإمام عليه من الله الرحمة والرضوان لتطبيق قاعدة “الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها” ولذلك عمل على بلورة منهج يتعامل مع التجربة الإنسانية بما ورد في القرآن الكريم: “ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى” وقوله صلى الله عليه وسلم عن حلف الفضول:” لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت”. وهذ الأثر الباقي يلخصه التعارف الحضاري تطبيقا لقوله تعالى:” ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم” تلك المفاهيم منشورة في كتبه (تحديات التسعينات، وجدلية الأصل والعصر، ونحو ثورة ثقافية)

رابعا: في مجال الدولة: للحبيب الإمام بصمات واضحة في شأن الدولة تعريفا لها ولطبيعتها ولمهامها وقد مارس العمل السياسي في الحكم وفي المعارضة بوطنية وليس بعقلية الكسب السياسي والتنافس الحزبي، وأكد أن الحكم الراشد هو الذي يقوم على: المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون. والتجربة السودانية تضيف لهذه المفاهيم: وجوب أن تحقق الديمقراطية تأقلما ثقافيا واجتماعيا، وأن تحقق التوازن، والاتزان، واللامركزية. هذه المفاهيم مبثوثة في عدة مراجع هي:( أثر النموذج السوداني على مستقبل القارة الأفريقية، والديمقراطية عائدة وراجحة، والديمقراطية المستدامة)

خامسا: في مجال العلاقة مع الآخر؛ انتهج الحبيب الامام أسلوب التواصل مع الآخر والتعايش السلمي معه في مقابل دعوات القطيعة والاستلاب، ورسخ هذا الفقه في ثلاث أطروحات هي مرجعية الكيان في التعامل مع الآخر الاجتهادي داخل ملة الإسلام، والآخر الملي والآخر الحضاري؛ وهي نداء المهتدين ونداء الإيمانيين ونداء حوار الحضارات.

سادسا: اهتماماته الإقليمية والدولية؛ لم يكن عطاء الحبيب الإمام مقتصرا على السودان؛ بل كان له تأثير إقليمي ودولي، فقد كان رئيس المنتدى العالمي للوسطية، وعضوا في نادي مدريد، وعضوا في عدد من المجالس المهتمة بالمياه والبيئة؛ وكان رأيه واضحا في رفض الاصطفاف المذهبي والمحوري، داعيا إلى حل النزاعات الإقليمية بالحوار، كما كان رافضا للتطبيع مع الكيان الصهيوني وأن أي علاقة معه سوف تكون نتيجتها سلبية.

سابعا: كانت فلسفته تقوم على التضحية والزهد ومكارم الأخلاق ونظرته للحياة أن خير ما يقدمه الإنسان لحياته بعد الايمان والإخلاص وتقوى الله هو النفع العام، وأن يتعامل مع الأمور بمنهج الوسطية والتوازن، لا تبطره النعمة ولا تزلزله المصيبة وهو صاحب مقولة: (فالإنسان في حياته معرض لمشاكل نفسية حتمية: يأمل فيخيب أمله، ويحزن فيسود أفقه، ويكره فتضيق دنياه، ويحب فيهيم هياما، ويفرح فيطيش صوابه، ويسبح في الخيال فينسى واقعه، ويخلد لواقعه فيقتله الملل.  وهذه الحالات يمكن علاجها إذا وجد الأنس بالإيمان والاطمئنان به:] لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ”

الحديث:

قال صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادى في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض” رواه البخاري

أو كما قال. يغفر الله لي ولكم وللمسلمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله الوالي الكريم والصلام على سيدنا محمد وآله مع التسليم

وبعد

قال تعالى:” والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين”

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

ورد في كتاب الحبيب الإمام الصادق عليه من الله الرحمة والرضوان “أثر النموذج السوداني على القارة الأفريقية” أن هنالك عدة جهات تتعامل بعقلية الوصاية مع الشعب السوداني، وهم بعض الصفوة المثقفة التي تنظر إلى عامة الشعب باستعلاء، وبعض العسكريين الذين ينظرون إلى المدنيين بعقلية الملكية، والأحزاب العقائدية المنتمية إلى أفكار وافدة على التربة السودانية ولا تناسب بين علو أصواتهم وقلة عضويتهم، وبعض أصحاب المكانة الموروثة الذين يظنون أن لهم حق الوصاية استنادا على الوراثة.

إن الصراع بين أصحاب الوصايات والاعتبارات المذكورة من شأنه أن يحرم البلاد الاستقرار السياسي، ويخلق أزمة حكم في البلاد تؤرق الديمقراطية والدكتاتورية معا ما لم يحدث أحد أمرين:

  1. هيمنة حاسمة لإحدى الوصايات فتقيم الحكم بأمرها.
  2. التراضي على وسيلة ترجيح تحتكم للشعب في آلية ديمقراطية تقيم الحكم وتحدد كيفية مساءلة الحكام وكيفية التناوب على الحكم.

إن أزمة الحكم في السودان منذ الاستقلال نتيجة مباشرة لإخفاق إحدى الوصايات في حسم الأمر لصالحها وتأمين سلطانها الدكتاتوري. وإخفاق الجسم السياسي السوداني في اتخاذ أساس ديمقراطي للشرعية تقبله كافة الأطراف.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

إن المشهد الوطني الحالي بتعقيداته يؤكد صحة ما ذهب إليه الإمام، وإذا غابت الحكمة فإن المصير سيكون كارثيا:

سيذكرني قومي إذا جد جدهم          وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

إن نتيجة ما يحدث في السودان الآن مصيرية. فإن أحسن هذا الجيل من أهل السودان التصرف فإنهم على موعد مع بناء حضاري تتحلق بموجبه إرادتهم حول مقاصد مشتركة. وإن أساء هذا الجيل التصرف فإنه على موعد مع التفرق والهيمنة الأجنبية.

أمامك فاختر أي نهجيك تنهج        طريقان شتى مستقيم وأعوج

أعوذ بالله من الشيطن الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة التي ألقاها الأمير:عبد المحمود أبو ابراهيم

الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار بالسودان

 بمسجد الهجرة بودنوباوي 25 ديسمبر2014م

الحمدلله القائل :” لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا  يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ” والصلاة والسلام على نبي الرحمة القائل: “الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد”

أمابعد:

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز:

ما أن يقترب العام الجديد إلا وتجد الطرقات مليئة بالملصقات التي تحرم تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد، وينبري الخطباء والوعاظ على تكفير كل من يحتفل بأعياد الميلاد أويهنئ المسيحيين فأحدثوابلبلة في الأفكار وشككوا المواطنين في مااستقرفي معاملاتهم مع إخوتهم من المواطنين من أتباع الديانات الأخرى وهم يجاورونهم في الأحياء والأسواق وبينهم معاملات وعلاقات متجذرة، وعليه سوف نبين موقفنا ومانراه صحيحا في هذا المجال وسنجيب بإذن الله في هذه الخطبة على التساؤلات الآتية:

أولا:ماطبيعة علاقة الإسلام بالرسالات السابقة؟

ثانيا:ماهي أوجه الخلاف بين الإسلام والمسيحية؟

ثالثا:ماهي حقوق غيرالمسلمين في الدولة الإسلامية؟

رابعا: ماهوالتعامل الشرعي مع غير المسلمين في ظل دولة متعددة الأديان؟

خامسا: ماهومنهج التعامل الشرعي بين الأفراد في المجتمع المتعدد الأديان؟

سادسا: ماهو الحكم الشرعي في تهنئة المسيحيين بأعياد الميلاد وهل التهنئة بعيد الميلاد تعتبر إقرارا بعقيدتهم في السيد المسيح؟

سابعا:ماهو المنهج الصحيح لدعوة الآخرين للدخول في الإسلام؟ 

وبتوفيق الله وعونه نحاول الإجابة على هذه التساؤلات التي تبين منهجنا في التعامل مع هذا الموضوع.

السؤال الأول: ماطبيعة علاقة الإسلام بالرسالات السابقة؟ بين الله في القرآن الكريم في أكثرمن آية: أن الدين واحد؛ هو الذي جاء به جميع الأنبياء والمرسلين وأن الإختلاف إنما هو في التشريعات والأحكام مراعاة لاختلاف أحوال الناس وطبائعهم وأزمنتهم. قال تعالى:”شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى المُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوَهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ” وقال تعالى: “قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا  أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا  أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا  أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا  أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ  لاَ  نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ” فالإسلام يقر أن الدين واحد في الأصل وأن الاختلاف إنما هو في الشرائع والأحكام، والمسلم لايصح إسلامه إلا إذا آمن بكل رسل الله وأنيائه وكتبه، قال تعالى:” آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ  لاَ  نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ” فكل الرسالات السابقة اتفقت على: توحيدالله وعلى العمل الصالح وعلى العدل بين الناس وعلى البعث والجزاء في الدار الآخرة، والإسلام الدين الخاتم أقر كل هذه الأصول وتفوق على الرسالات السابقة بما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: أحلت لي الغانم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، ونصرت بالرعب مسيرة شهر، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعث إلى الناس كافة”

السؤال الثاني: ماهي أوجه الخلاف بين الإسلام والمسيحية؟ المسيحية أوالنصرانية هي الرسالة التي جاء بها سيدنا عيسى عليه السلام وهي امتداد لرسالة سيدنا موسى حيث أن شريعة موسى هي الشريعة التي طبقها عيسى عليه السلام فأصل الديانه صحيح ولكن التحريف لحق بالمسيحية من قبل الأتباع وهي كثيرة أشار إليها القرآن الكريم وأخطرها أنهم جعلوا الله ثالث ثلاثة، وجعلوا لله ابنا هو المسيح وغيرها من العقائد التي تتناقض مع عقائد الإسلام ويمكن إجمالها في أربعة مسائل تعتبر أركان المسيحية وهي:

المسألة الأولى:عقيدة التثليث فهم يعتقدون أن الله واحد في ثلاثة وثلاثة في واحد وعقيدتنا ” قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد”

المسألة الثانية: قولهم أن عيسى ولد الله له صفة ناسوتية وصفة لاهوتية، وتلك الطبيعتان صارتا شيئا واحدا فصار اللاهوت إنسانا محدثا تاما، وصار الناسوت إلها تاما خالقا غيرمخلوق.تلك عقيدتهم بينما عقيدتنا أن المسيح هو ابن مريم وكلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه. كما جاء في القرآن الكريم” يَا أَهْلَ الكِتَابِ  لاَ  تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الحَقَّ إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا  فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً”

المسألة الثالثة: الاعتقاد بالخطيئة الموروثة؛ أي أن خطيئة آدم تنسحب على ذريته فهم معاقبون بمافعله آدم ولايطهرهم إلا إيمانهم بفداء السيد المسيح. وأماعقيدتنا أن آدم اجتباه ربه وتاب عليه وهدى، وأن الخطيئة لاتورث ولايعاقب أحد بجريرة غيره قال تعالى:” ولاتزروازرة وزر أخرى”

المسألة الرابعة: الاعتراف بالذنوب أمام القسيس لأن كل ذنب يغفره القسيس فهو مغفور عندالله تلك عقيدتهم. وأما عقيدتنا تقوم أنه لاواسطة بين العبد وربه قال تعالى:” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ ” وقال تعالى: ” وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ “

السؤال الثالث: ماهي حقوق غيرالمسلمين في الدولة الإسلامية؟

لقد جاء الإسلام بالرحمة والعدل والمساواة بين جميع الناس ويتحقق كل ذلك بالمحافظة على الكرامة الإنسانية قال تعالى: “ولقد كرمنا بني آدم..”الآية وعليه نقول إن حقوق غيرالمسلمين في ظل الدولة الإسلامية تتمثل في الآتي:

  1. حمايتهم من الاعتداء يقول الامام القرافي: “إن عقدالذمة يوجب حقوقا علينا لهم لأنهم في جوارنا، وخفارتنا، وذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذمة دين الإسلام، فمن اعتدى عليهم ولوبكلمة سوء أوغيبة في عرض أحدهم، أونوع من أنواع الأذية أو أعان على ذلك فقد ضيع ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذمة دين الإسلام”.
  2. حماية ضروراتهم الست(النفس والعقل والدين والعرض والنسل والمال) وحاجياتهم، حالهم في ذلك حال المسلمين، حيث اتفق الفقهاء على ذلك، وعللوا ذلك بأنهم أصبحوا بعقد الذمة من أهل دار الإسلام(وعقدالذمة اليوم يتمثل في المواطنة والجنسية والتأشيرة والعهود والمواثيق وكل عهود الأمان) وعلى ذلك يجب توفيرالحماية لنفوسهم، وأعراضهم، وأموالهم، بل أكثرمن ذلك، فإن الدولة يجب عليها حماية مايعتبرونه مالا- مثل خمورهم وخنازيرهم – مع أن ذلك لايعتبرمالا لوكان لدى المسلم بل يجب اتلافه بل لوقام مسلم بإتلاف خمورهم وخنازيرهم وجب عليه التعويض عند الحنفية. ومن قتل ذميا يقتل به قال بذلك الأحناف والشعبي والنخعي وابن أبي ليلى وعثمان البتي وهومروي عن الخليفة علي بن أبي طالب وعمربن عبدالعزيز رضي الله عنهم. وهوالذي كان العمل به في معظم عصور الخلافة العباسية، وفي الدولة العثمانية، وذهب المالكية إلى: أنه يقتل به في حال الغيلة(أي الخديعة)
  3. التعامل معهم بالعدل، وحمايتهم من الظلم بجميع أنواعه وأشكاله،قال صلى الله عليه وسلم:”ألامن ظلم معاهدا، أوانتقصه حقه، أوكلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة”
  4. تحقيق التكافل الاجتماعي لهم في حالات الفقر، والعجز والشيخوخة، ففي عهد أبي بكر الصديق كتب خالدبن الوليد لأهل الحيرة بالعراق وكانوا نصارى مانصه” وجعلت لهم: أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات أوكان غنيا فافتقر، وصارأهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله ماأقام بدار الهجرة ودارالإسلام” وروى أبويوسف وغيره أن عمر رضي الله عنه مرّ بباب قوم وعليه سائل يسأل ، شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه ، فقال: “من أي أهل الكتاب أنت ؟ قال: يهودي، قال: فما ألجأك إلى ماأرى؟ قال: أسأل الجزية، والحاجة، والسن، فأخذ عمر بيده فذهب به إلى منزله ووصله بشيئ، ثم أرسل إلى خازن بيت المال، فقال: انظر هذا وضرباءه، (فأعطهم مايكفيهم بين المال) فوالله ما أنصفناه، إذ أكلنا شيبته ثم نخذله عند الهرم…”
  5. احترام عهودهم وعقودهم مع المسلمين، فقد رد أبوعبيدة لأهل الشام ماجبي منهم من الجزية والخراج عندما عجز عن حمايتهم قال أبويوسف: “فلما رأى أهل الذمة وفاء المسلمين لهم، وحسن السيرة فيهم صاروا أشد على عدو المسلمين من المسلمين على أعدائهم..”
  6. حماية حريتهم الدينية: قال تعالى: “لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي”
  7. حرية العمل والمعاملات والعقود والأنكحة حسب معتقدهم.
  8. تولي وظائف الدولة: لأهل الذمة الحق في تولي وظائف الدولة إلاماتغلب عليه الصبغة الدينية.

السؤال الرابع: ماهوالتعامل الشرعي مع غيرالمسلمين في ظل دولة متعددة الأديان؟

غيرالمسلمين الذين يدخلون في عهد صلح مع الدولة الإسلامية يحكم علاقتهم عهد الذمة أما أولئك المواطنون الذين تجمعهم مع المسلمين أرض واحدة يشتركون في ملكيتها وتجمعهم دولة واحدة فيحكم علاقتهم عهد المواطنة، وهو عهد أكدته صحيفة المدينة التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم لتنظم علاقة المقيمين في المدينة المنورة، التي كان يسكنها المسلمون بفريقيهم الأنصار والمهاجرين واليهود بطوائفهم الثلاث : بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة، والمشركون من العرب.

وقد نصت الصحيفة على التشريعات العامة التي تحكم الجميع، وبجانبها التشريعات الخاصة التي تحتكم لها كل جماعة حسب أعرافها وعقيدتها وتقاليدها.

لقد جاء في الصحيفة أن”لليهود دينهم وللمسلمين دينهم: مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم نفسه وأثم فإنه لايوتغ إلانفسه”  يقول ول ديورانت في كتابه الموسوعي: قصة الحضارة” لقد كان أهل الذمة (يعيشون وسط المسلمين) بدرجة من التسامح لانجد لها نظيرا في البلاد المسيحية هذه الأيام، فلقد كانوا أحرارا في ممارسة شعائرهم الدينية، واحتفلوا بكنائسهم ومعابدهم”.

السؤال الخامس: ماهو منهج التعامل الشرعي بين الأفراد الذين يعيشون في مجتمع متعدد الأديان؟

إن على المسلم أن يتعامل مع الناس بالحسنى، وقد شرع الإسلام حقوقا للجار، ومنها الجار الجنب أي الذي يختلف معك في الدين، فأمرك الإسلام أن تعامله بالحسنى، ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة؛ فقد مرت به جنازة يهودي فهب واقفا، فقالوا إنها جنازة يهودي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أليست نفسا”؟ رواه البخاري فالمسلم مطالب أن يتعامل مع الآخرين بالعدل والاحسان والاحترام وحسن الخلق قال تعالى: “ولايجرمنكم شنئان قوم على أن لاتعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى”.

السؤال السادس: ماهو الحكم الشرعي في تهنئة المسيحيين بأعياد الميلاد وهل التهنئة بعيد الميلاد إقرار بعقيدتهم في السيد المسيح؟

يقول علماء الفقه : إن الحكم على الشيئ فرع من تصوره، أي أن الفهم الصحيح للواقعة يقودك للحكم الصحيح عليها. فما هو التصور الصحيح لأعياد الميلاد؟

عيد الميلاد: هو فرح وسرور بمولد السيد المسيح عليه السلام، لأن مولده كان آية من آيات الله؛ حيث ولد من دون أب، وتكلم في المهد صبيا، وصحبت ولادته آيات ومعجزات، فأين المخالفة الشرعية في الفرح  بهذا الأمر؟ ، والله سبحانه وتعالى عندما غلبت الفرس الروم بشر المؤمنين بأن الروم سيغلبون الفرس في بضع سنين وقال:” ويومئذ يفرح المؤمنون بنصرالله” والمؤمنون هم المسلمون يفرحون بانتصار الروم المسيحيين على الفرس المجوس، فبنص القرآن فإن فرح المسلمين بنصر المسيحيين على المجوس أمر محمود. وقد يقول قائل إن الاحتفال بميلاد المسيح بدعة لم يفعلها رسول الله. صحيح هذا الكلام في ظاهره، ولكننا أمرنا أن نتدبر القرآن قال تعالى: “أفلا يتبرون القرآن أم على قلوب أقفالها” وكل دارس لأحكام الشريعة يعلم أن الحكم الشرعي يقوم على الأمر والنهي، أما الترك فلايترتب عليه أي حكم شرعي، فهو من الأشياء التي سكت الله عنها رحمة بنا من غير نسيان فلا نبحث عنها، الأمر الثاني أن حديث كل بدعة ضلالة هذا يتضمن حكما عاما يقيده فعل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد قاموا بجمع المصحف وهو أمر لم يفعله رسول الله، وجعل عمربن الخطاب رضي الله عنه صلاة التراويح جماعة وكانت في عهد رسول الله تصلى فردية ، ووضعوا الدوواين وفعلوا كثيرا من الأشياء التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك فإن الفهم الصحيح لحديث البدعة أن كل بدعة تخالف أصول الدين ومبادئه فهي ضلالة، وكل أمر مبتدع لايتعارض مع مبادئ الإسلام ومقاصده فهو سنة حسنة، وقد صام رسول الله عاشوراء عندما وجد اليهود يصومونه وسألهم لماذا يصومونه ؟ فقالوا هذا اليوم الذي نجى الله فيه موسى فقال صلى الله عليه وسلم:” أنا أولى بموسى” وكان صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الاثنين فلما سئل قال: “ذاك يوم ولدت فيه ويوم أوحي إليّ فيه”

وعليه فإن تهنئة المسيحيين بأعياد الميلاد لاغبارعليها وهي جائز ةشرعا وليس فيها إقرارهم على عقيدتهم، وإنما تدخل في معنى البرّ الذي أَمرنا أن نعاملهم على أساسه قال تعالى: “ لاَ  يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ” والمسيحيون في السودان يشاركوننا في أفراحنا وأحزاننا ويواسوننا في مصيبتنا فليس من البرّ عدم رد التحية بمثلها قال تعالى: “وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها”

السؤال السابع: ماهو المنهج الصحيح لدعوة الآخرين للدخول في الإسلام؟ 

أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، فأين هذا الغلو وذاك التطرف من الحكمة؟ وقال تعالى:”فبما رحمة من الله لنت لهم ولوكنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك..”وقال صلى الله عليه وسلم :”خالطوا الناس بأخلاقكم وخالفوهم في أعمالهم” أخرجه الزبيدي في اتحاف السادة المتقين .

بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمح للنصارى أن يصلوا في مسجده فقد روى علماء السيرة:” أنه لما قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلوا عليه مسجده بعد صلاة العصر، فحانت صلاتهم فقاموا يصلون في مسجده، فأراد الناس منعهم فقال صلى الله عليه وسلم: ” دعوهم” فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم” فالمنهج الصحيح للدعوة أركانه: الحكمة والبر والاحسان والعدل والمقارنة والايثار.

ومن أراد الاستزادة فليراجع الكتب الآتية:

  1.  موسوعة أصول الفكر السياسي والاجتماعي والاقتصادي من نبع السنة الشريفة وهدي الخلفاء الراشدين إعداد الأستاذة خديجة النبراوي
  2. أحكام الذميين والمستأمنين في دار الإسلام للأستاذ الدكتور عبدالكريم زيدان
  3. غيرالمسلمين في المجتمع الإسلامي، للدكتور يوسف القرضاوي
  4. نحن والآخر – دراسة فقهية تأصيلية للأستاذ الدكتور علي محي الدين القرة داغي رئيس لجنة القضايا والأقليات الإسلامية بالاتحاد العالمي لعلمء المسلمين والخبير بمجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة

الحديث قال صلى الله عليه وسلم: “إنكم لاتسعون الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق” أخرجه الحاكم في المستدرك أوكما قال

الحمدلله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم

وبعد

قال تعالى:” يَا أَهْلَ الكِتَابِ  لاَ  تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الحَقَّ إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا  فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (171) لَن يَسْتَنكِفَ المَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلَّهِ وَلاَ المَلائِكَةُ المُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِياًّ وَلاَ نَصِيرا”

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

نهنئ اخوتنا المسيحيين بعيد ميلاد المسيح عليه السلام ونسأل الله أن يوفقنا لتحقيق السلام في بلادنا وصيانة العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد، والقدرة على إدارة التنوع بين مكونات المجتمع. فالدين المعاملة ، والاسلام دين التواصل مع الآخرين، وقد شرع أحكاما للتعامل مع كل الناس كل حسب مايلائمه، فمن سالم عومل بالسلم ، ومن اعتدى يعامل بالمثل دون تجاوز ولاغلو.

وقد ميز الإسلام بين الناس فهنالك ملحدون ، وهنالك مشركون، وهنالك أهل الكتاب، وهم ينقسمون إلى يهود ونصارى ، والنصارى أقرب مودة للمؤمنين من اليهود والمشركين؛ فلايجوز أن نجعلهم في خانة واحدة .

أحبابي في الله:

عالم اليوم أصبح كالقرية الواحدة بفضل وسائل الاتصال والمواصلات؛ علينا أن ندرك طبيعة الواقع المعاصر ونتعامل معه بمنهج يلائم طبيعته ويحافظ على أصول ديننا ، أي نوفق بين الأصالة والمعاصرة.

قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا  أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ

خطبة الجمعة 17 صفر 1443هـ الموافق:24سبتمبر2021م

ألقاها د. عبدالمحمود أبو؛ الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار بمسجد الهجرة بودنوباوي

أعوذ بالله من الشيطن الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جعل التدافع بين الناس سنة لإحقاق الحق وإبطال الباطل، والصلاة والسلام على نبي الرحمة القائل: “إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه” صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ (

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

كانت ثورة السودان في ديسمبر عظيمة؛ استعادت صورة السودان الزاهية وعبرت عنها في شعاراتها التي جسدت القومية السودانية(العنصري المغرور كل البلد دار فور) و(كان عندك خت وكان ما عندك شيل) و(أرفع إيدك فوق التفتيش بالذوق)؛ تلك الشعارات التي عبرت عنها أبلغ تعبير أيقونة الثورة(حرية سلام وعدالة)، ولكن جاءت جريمة فض الاعتصام فوأدت الحلم ، وأحدثت جرحا غائرا في جسد الوطن لا زلنا تعيش آثاره ونكتوي بآلامه؛ ومع انتصار الثورة  انكشفت كل  أزمات الوطن التي أخفاها النظام الشمولي فتورمت وانفجرت في عهد الفترة الانتقالية.

إن حكومة الفترة الانتقالية تشكلت في ظروف غير طبيعية وصحبتها عيوب أساسية شلت حركتها:

العيب الأول: الحاضنة السياسية لم تكن على كلمة واحدة؛ حيث لم تتفق على الخطاب السياسي القومي الذي يتلمس قضايا الوطن الأساسية، ولم تتفق على خارطة طريق محددة واضحة المعالم، ولم تحسم موضوع هياكلها ولوائحها الحاكمة لعملها، وغلب عليها الاصطفاف الأيديولوجي ونظرة المحاصصة.

العيب الثاني: أن شراكة المكون المدني والمكون العسكري تمت بضغوط إقليمية ودولية، في ظل أجواء مشحونة بمشاعر جريمة فض الاعتصام، فظلت الثقة بينهما ضعيفة والعلاقة بينها يشوبها الحذر والتوجس.

العيب الثالث: لم تلتزم الحكومة بمعايير الكفاءة والخبرة في اختيار الوزراء، مع غياب البرنامج الواضح، وتحديد المسئوليات، والتنسيق بين مؤسسات الدولة؛ بل ترك كل ذلك للاجتهادات الشخصية، فاستغل بعض المسئولين مناصبهم لتمرير أجنداتهم الأيديولوجية، مما أظهر الحكومة كأنها جاءت لتغيير هوية الأمة ومحاربة قيمها وثقافتها وعقيدتها؛ وهذا بدوره ساعد في تفجر الأزمات بصورة شلت مسيرة الانتقال.

العيب الرابع: التغيير الذي تم؛ اقتصر على إزالة رموز نظام الإنقاذ فقط. بينما ظل النظام المخلوع باقيا بأجهزته وقوانينه وأشخاصه؛ يسير دولاب الدولة ويعيق أي جهود إصلاحية، بل يفتعل الازمات ويعطل قرارات الجهاز التنفيذي.

العيب الخامس: بعض العسكريين لم يتحرروا من نزعة الوصاية، وبعض المدنيين لم يتحرروا من نزعة اختطاف الثورات؛ فسمموا الأجواء بتصريحات وسعت الشقة بين المدنيين والعسكريين، وساعدت في خلق الأزمات.

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز 

إن هشاشة التكوين القومي لبلادنا، ورخاوة مؤسسات الدولة الحديثة فيها، وتقاصر قدراتها الاقتصادية عن تلبية ضرورات الحياة، مضافا إليها العيوب التي صاحبت الفترة الانتقالية؛ كل هذه العوامل شوهت الفترة الانتقالية، وأصيب الشعب بالإحباط بالرغم من تفاؤله بالإنجازات الكبيرة التي تحققت ومنها: رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وإلغاء الديون ودخول السودان في قائمة الدول المستحقة لتعامل المؤسسات الاقتصادية الدولية معها؛ استغل الشموليون هذا المناخ فشجعوا ظاهرة الانفلات الأمني، والاصطفاف القبلي والمناطقي، ونشر الاشاعات والأكاذيب واستغلال الحريات لممارسات تخريبية بقصد تهيئة المناخ للعودة إلى عهد الشمولية.

إن محاولة الانقلاب التي أعلن عن إحباطها؛ مظهر من مظاهر الأزمة ولن تكون الأخيرة مالم نغير من أساليبنا في التعاطي مع قضايا الوطن؛ إننا ندين بشدة أي توجه لتغيير الأوضاع بالقوة، فكل أزمات السودان سببها الحكومات الشمولية التي تستولي على الحكم بالانقلاب ضد إرادة الشعب؛ لقد كانت النظم الشمولية سبب اخفاقٍ في مهمة البناء القومي للبلاد: لأنها تحاول القفز فوق الواقع فتدفع الرأي الاخر، والولاءات التقليدية إلى استقطاب حاد يحول الاختلافات العادية الى عداوات. واخفاقٍ في بناء الدولة الحديثة: لأنها تجعل مؤسسات الدولة أدوات لسلطانها فتفرغها من محتواها الوظيفي وتحاول جعلها روافد لحزب السلطة. واخفاقٍ في التنمية: هنالك علاقة تلازم بين الديمقراطية والتنمية فأغنى بلدان العالم هي الدول المحكومة بنظم ديمقراطية، وأفقر بلدان العالم هي الدول المحكومة بنظم شمولية. واخفاقٍ في دور القوات المسلحة الدفاعي: لأنها تستخدم القوات المسلحة أداة للسلطة. فتفقد انضباطها وكفاءتها.

لقد اكتوينا بنيران النظم الشمولية، وتحررنا من الاستبداد والقهر والظلم فلن نسمح بعودة أي نظام شمولي مهما كانت مبرراته؛ وكما قال الأستاذ: عبد الوهاب هلاوي:( ما بتنقلب؛ دي الثورة في عيون العيون، والثورة في قلب القلب. ودي إرادة الشعب الجميل، لو مات عديل، عانى وتعب، ما بتنقلب، لو الصباح بقى لينا ليل، وامتد صف العيش عديل، من بري لي أمبدة السبيل، لو تتكي السما على الأرض، لو الشمس تشرق غرب، لو ننضرب، لو ننصلب، ما بتنقلب. إنها إرادة شعب أبي لن تنهزم بإذن الله. 

لقد ابتكر الشعب السوداني سلاحا مجربا في مقاومة الشمولية وهو سلاح مدني فعال ولا زال هذا السلاح ماضيا يستخدم عند الحاجة. إن شعبنا لا يقبل وصاية من أي جهة وسيتصدى لكل الطامعين ويهزمهم بإذن الله.

قال تعالى: “حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القَوْمِ المُجْرِمِينَ” يغفر الله لي ولكم وللمسلمين.

الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم

قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ”

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز:

إن ما يجري في بلادنا من ضائقة معيشية، وتفلتات أمنية، واصطفافات مناطقية وجهوية وقبلية، ومحاولات انقلابية، وتراشقات إعلامية عنيفة بين مكونات الفترة الانتقالية العسكرية والمدنية؛ يؤكد أن هنالك أزمة إن لم تعالج سوف تتصاعد مظاهرها وتؤدي إلى خراب السودان؛ عليه نرى أن العلاج ليس في الاصطفاف مع أو ضد وإنما يكون العلاج بالاصطفاف الوطني بين جميع أصحاب المصلحة واستلهام قيم الثورة، واستشعار المسئولية التي حملها الشعب لحكومة الفترة الانتقالية بشقيها السيادي والتنفيذي؛ لذلك نقترح روشتة العلاج الآتية:

أولا: العودة إلى منصة التأسيس قبل فض الاعتصام، حيث وصل الثوار إلى ميدان القيادة معتصمين واستجابت القوات المسلحة بكل مكوناتها (الجيش والدعم السريع والشرطة والمخابرات) إلى إرادة الشعب، فتحقق النصر على النظام الفاسد، واعتبر من انحازوا إلى الثورة شركاء تسقط عنهم الملاحقة في قضايا الحق العام.

ثانيا: حسم القضايا العالقة (البت في جريمة فض الاعتصام – قيام المفوضيات – تشكيل المجلس التشريعي – قيام المحكمة الدستورية إلى آخر المتطلبات المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية.)

ثالثا: الاتفاق على خارطة طريق محددة موضوعات وبرامج مع تحديد التوقيت لتنفيذها.

رابعا: أن تراجع الحكومة منهجها ومسئوليها وتتخذ قرارات تتناسب مع حجم التحديات لتجاوز الأزمة.

خامسا: استكمال عملية السلام بدعوة كل من عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور؛ أن يتعاملا كشريكين في الثورة ليتم التفاوض حول إجراءات استكمال السلام، وادارة حكم البلاد، ومعالجة آثار الحرب، لا كحركات مسلحة تتفاوض مع حكومة؛ وإنما كشركاء لهندسة الفترة الانتقالية.

سادسا: معالجة القضايا المعطلة لمسيرة الثورة (الأمن – المعيشة – النزاعات الاثنية والمناطقية – واستكمال عملية الترتيبات الأمنية مع شركاء السلام من حركات الكفاح المسلح – وإلغاء كافة الإجراءات حول القضايا الخلافية؛ مثل: المناهج، وتعديل قوانين الأحوال الشخصية، والعلاقة بين الدين والدولة) هذه القضايا محلها المؤتمر الدستوري.

سابعا: الشروع في التحضير للمؤتمر الدستوري بعقد المؤتمرات المتخصصة في الاقتصاد، والتعليم، والصحة، والبنية التحتية، وإزالة آثار الحرب، وترسيخ ثقافة السلام، والسياسات الخارجية، وعلاقة الجيش بالسلطة، وعلاقة الدين بالدولة، ومعالجة البطالة، وقضايا الشباب، وغيرها من القضايا التي يقرر بشأنها المؤتمر الدستوري ليستفتى فيها الشعب.

ثامنا: توقيع ميثاق شرف بين شركاء الانتقالية من المدنيين والعسكرين، للعمل سويا لإنجاح الفترة الانتقالية، وذلك بعد معالجة أسباب سوء الفهم بينهما، والالتزام بتجنب ما من شأنه أن يعكر صفو العلاقة.

تاسعا: فرض هيبة الدولة بالتزام المسئولين بالوثيقة الدستورية مع معالجة عيوبها، واحترام القوانين وتطبيقها بحزم على جميع المخالفين، مهما كانت مكانتهم، ومعاقبة الذين تتم ادانتهم وفق الإجراءات القضائية العادلة.

عاشرا: أن يلتزم الجميع بمدنية الدولة، واحترام إرادة الشعب وعدم فرض أي وصاية عليه، وتنفيذ ما اتفق عليه وعدم الالتفاف على الاستحقاقات مهما كانت الذرائع.

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز

إن مطالب الولايات في التنمية والشراعة والعدالة في تقاسم السلطة والثروة مشروعة؛ وأهل الشرق مطالبهم التنموية والسياسية مشروعة والوثيقة الدستورية تسمح لهم بالتعبير السلمي عن مطالبهم.

إن الميناء والطرق القومية؛ ملكية عامة لكل السودانيين وتعطيل العمل فيها يُلحق الضرر بكل الوطن؛ إننا نناشد الناظر محمد الأمين ترك، بفتح الطريق القومي ورفع الحصار عن الموانئ والأسواق وكل المرافق الحيوية، ومراعاة الجوانب الإنسانية للذين تعطلت مصالحهم بسبب الإغلاق؛ حتى لا يقع الضرر على كافة الشعب، ونناشده باتباع الحوار وسيلة لتحقيق المطالب المشروعة؛ كما نناشد أهلنا في كل المناطق المحتقنة بتحكيم صوت العقل، وتعزيز ثقافة التعايش السلمي بين كل المكونات الاجتماعية، وتجنب الاصطفاف القبلي والجهوي، فالمواطنة حق لجميع السودانيين.

المحافظة على وحدة الوطن، وكرامة شعبه، وصيانة حقوقه، مسئوليتنا جميعا فلنتحد لحراسة مشارع الحق.

ولنهتف مع الوالد فضل النور جابر:

لا للظلم لا للقهر لا سلطان للفرد

فيا ديني ويا وطني وهبتُ الروح من عندي

فإما النصر أو عيشٌ مع الشهداء في الخلد

فتلك أمانةٌ كبرى رعاها الصادق الوعد

فتى أوفى بما أسدى لهذا الدين من جهد

فمنذ النشأة الأولى ومنذ بداية العهد

وفي السجن وفي المنفى وفي القرب وفي البعد

حكى المهديَّ في الابداع والإقدام والجد

سنمضي خلفه جندا وما أحرانا من جند

نلبي داعي الله وهذا غاية القصد

فنحن اليوم حراسٌ على الأوطان كالأسد

نسود الأرض بالسلم وندعو فيها بالود

نضم الجار إخوانا إخاء الند للند

وبالإسلام نبنيها وليس بشرعة الحقد

ويوم الخطب والصعب ويوم الحل والعقد

بغير (الصادق الصديق) ذاك القول لن يجد

 فالصادق منهج وليس شخصا، والمنهج قائم له حراسه بإذن الله. منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا

خطبة الجمعة بمسجد الهجرة بودنوباوي

بتاريخ: 11محرم 1443هـ – 20 أغسطس 2021م

ألقاها الأمير عبدالمحمود أبو

الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار

أعوذ بالله من الشيطن الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان وهداه إلى الصراط المستقيم، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له جعل الإسلام دينا خاتما للرسالات المنزلة على الإنسان المستخلف، والصلاة والسلام على نبي الرحمة القائل: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك) صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قال تعالى: (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي البِلادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المِهَادُ)

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز:

إن التطلع للعقيدة أمر مركوز في فطرة الإنسان، فالإنسان بدون عقيدة يفقد إنسانيته، فمنذ أن خلق الله الإنسان وائتمنه على الأرض خليفة أنزل له دينا يرشده وينظم حياته؛ وبما أن الإنسان خلق حرا؛ فقد التزم بعض الناس بمنهج الله الذي أنزله وانحرف آخرون فأقاموا ديانات وضعية يدينون بها، وحتى أتباع الأديان السماوية منهم من استقام على الدين الحق ومنهم من حرف وبدل.

إن الدين يتحقق بوسيلتين هما: سعي الإنسان إلى المثل الأعلى، ومخاطبة الله للإنسان عن طريق إرسال الرسل.

فالوسيلة الأولى نتيجتها الأديان الوضعية بكل مسمياتها، والوسيلة الثانية ثمرتها الأديان السماوية التي ختمت بالرسالة التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:( اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينا)

إن أهمية الدين في حياة الإنسان، مع كثرة ادعاء المتدينين، وانتشار الديانات واختلافها؛ هذه الأسباب تقتضي تحديد معايير نميز بها بين الأديان؛ لنعرف ما هو الدين الذي تنطبق عليه تلك المعايير، فيكون هو الدين الحق، وما هو الدين الذي لا تتحقق فيه؛ ليكون حكمنا منصفا.

المعيار الأول: أن يكون الدين صادراً من الخالق الذي خلق الكون، وأوجد فيه الإنسان؛ ليقوم بعمارته، وأن يكون هذا الدين خاليا من التناقض، ومحفوظاً من التحريف والتبديل.

المعيار الثاني: أن يكون هذا الدين مصحوبا بكتاب معجز، يتضمن سيرة الأولين، ويعترف بالرسل السابقين، ويصدق ما جاءوا به من أصول وأحكام، ويصحح التبديل والتحريف الذي لحق بتعاليمهم وسيرتهم.

المعيار الثالث: أن يلبي هذا الدين المطالب الضرورية التي يحتاجها الإنسان، باعتباره مخلوقا من طين، وفيه قبس من روح الله.

المعيار الرابع: أن يحقق هذا الدين المساواة بين جميع الناس، ويصون كرامتهم، وألا يكون منحازاً لأي فئة بسبب اللون أو العرق أو المعتقد، وألا يقسم الناس إلى طبقات، يتفاضل بعضهم على بعض بمعيار طبقي.

المعيار الخامس: ألا يتناقض هذا الدين مع حقائق العلم ولا مع استنتاجات العقل ولا مع الواقع.

المعيار السادس: أن يحمل هذا الدين منهجا قادراً على الإجابة على كل تساؤلات الإنسان في عالم الغيب والشهادة، وأن تكون أحكامه مرنة، تتلاءم مع حالات المكلفين قوة وضعفا، صحة ومرضا جماعة وأفراداً… إلخ.

المعيار السابع: ألا يفرض الدين عقيدته على الناس بالإكراه، وألا يعاقب الناس على جرم لم يرتكبوه، وألا يحطمهم بارتكاب الذنوب، بل يفتح لهم الباب للتوبة والإنابة، ويعاملهم بالرحمة، ويجعلهم يعيشون على أمل.

وتطبيقاً لتلك المعايير على دين الإسلام نجد أنه فيما يخص المعيار الأول- يؤكد أنه صادر عن الله الذي خلق الكون، وأوجد فيه الإنسان؛ ليقوم بعمارته، قال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ).

وعن نفي التناقض قال تعالى:( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً

وعن الحفظ عن التبديل قال تعالى 🙁 إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)

وفيما يخص المعيار الثاني: فإن القرآن الكريم هو الكتاب الذي نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو كتاب معجز، تحدى معارضيه يوم نزوله، وما زال التحدي قائماً إلى أن تقوم الساعة، قال تعالى: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين) وتأكيداً على تصديق الرسالات السابقة وتصحيح ما لحق بها من تحريف وتبديل قال تعالى: ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون)

وفيما يخص المعيار الثالث نقرأ قوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) 

وتصديق المعيار الرابع قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير)

وتأكيداً للمعيار الخامس نطالع قوله تعالى:( وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِين) وقوله تعالى:( قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ).

والمعيار السادس مبثوثة مفرداته في كتاب الله وفي سنة رسول الله بصورة لا تحتاج إلى برهان، ومع ذلك نشير إلى بعض منها، كقوله تعالى 🙁 الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ)

فإذا أتينا للمعيار السابع قرأنا قوله تعالى:( لا َإِكْرَاهَ في الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ) وقوله -جل شأنه:( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً).

أحبابي في الله

عالم اليوم مليء بالأفكار والنظريات؛ ووسائل المواصلات وأجهزة الاتصالات قربت بين أجزائه؛ مما يتطلب من المسلمين أن يخاطبوا عالم اليوم باللغة التي يفهمها؛ وأساليب المقارنة والحوار والمنطق أساليب مقنعة علينا أن نتبعها في عرض بضاعتنا؛ إن منهج الوسطية الذي نتبناه هو المنهج الصالح لعرض الإسلام في عالم اليوم.

الحديث: قال صلى الله عليه وسلم:(يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين) أو كما قال.

يغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.

الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم

قال تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِين)

أحبابي في الله:

لقد فوجئ العالم كله تقريبا بسقوط دولة أفغانستان في أيدي حركة طالبان بالرغم من أن الحكومة التي كانت قائمة محمية بالقوات الأمريكية، وأدهشت المراقبين سهولة سقوط المدن وتسليم الجيش للحركة؛ مما جعل بعض المراقبين يقولون إن الأمر مرتب بين الحركة والأمريكان وأنَّى كان التفسير والتحليل فينبغي ألا تغيب عنا الحقائق الآتية:

أولا: قوات التحالف بقيادة أمريكا استولت على دولة أفغانستان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي اتهمت بها القاعدة المقيمة في أفغانستان ومحمية من حركة طالبان، وأقامت حكومة موالية للغرب معظم مسئوليها أفغان كانوا يعيشون في الخارج فلم تحظ الحكومة بتأييد شعبي.

ثانيا: حركة طالبا في ثوبها السابق كانت تلتزم منهجا إسلاميا منكفئا يخاطب الحاضر بأساليب ماضوية؛ حيث أقامت إمارة كل برنامجها انحصر في تطبيق أحكام الإسلام باجتهادات السابقين دون تمييز بين الثابت والمتغير، ورفعت شعارات تقيد حرية المرأة وتتعامل مع الآخر الملي والآخر الدولي بمفاهيم الصراع بين دولة الإسلام ودولة الكفر. إن عُزلة حركة طالبان عن العصر في تجربتها السابقة كانت السبب في هزيمتها.

ثالثا: إن الحكومات الوطنية التي تعتمد في شرعيتها على قوة المحتل وعلى تأييد الخارج؛ حكومات ضعيفة تفقد ثقة شعبها، وتعجز عن النهوض ببلدها، وتجد نفسها محمية بقوة المحتل وليس بشرعية التأييد الوطني؛ ولذلك تنهار في أول اختبار ويفر جيشها المصنوع من مواجهة مع الثورة الوطنية؛ كما رأينا استسلام الجيش الأفغاني لحركة طالبان بكل سهولة؛ مما جعل الرئيس الأمريكي يقول:(لا يجب على القوات الأمريكية أن تقاتل وتموت في حرب رفضت القوات الأفغانية خوضها).

رابعا: إن فشل الحكومة الأفغانية المندحرة في تحقيق تطلعات الشعب الأفغاني من توفير الأمن والسلام والتنمية وغيرها من واجبات الحكومة الضرورية؛ جعلها معزولة عن غالبية الشعب الأفغاني، وتوالِي هجمات الحركات المعارضة لها؛ جعل الولايات المتحدة الأمريكية تعيد النظر في موقفها من حركة طالبان فجرت لقاءاتٌ بينهما في الدوحة ربما أوصلت إلى تفاهمات جعلت الإدارة الأمريكية تقلل من دعمها للحكومة الأفغانية وتغض الطرف عن زحف طالبان.

خامسا: إن تصريحات حركة طالبان بعد انتصارها تشير إلى مراجعات كثيرة قامت بها الحركة، فأرسلت إشارات تطمينية للنساء، وللمجموعات التي تعاونت مع الاحتلال الأمريكي، وللمجتمع الدولي؛ بأنها ستحترم المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وإنها تحترم حقوق المرأة في حدود الشريعة الإسلامية.

سادسا: لقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن احتلال الشعوب لا يعطي شرعية للحكومات المصنوعة حتى مع اختلاف الشعوب مع الحركات المناهضة للاحتلال والحكومات المصنوعة منه، وثبت أيضا فشل الحركات التي ترفع شعار الإسلام هو الحل دون مراعاة للمستجدات والتطورات التي حدثت في مسيرة الإنسانية.

سابعا: نأمل أن تكون حركة طالبان قد استفادت من تجربتها الماضية ومن تجارب مثيلاتها، وراجعت خطابها ومنهجها مراجعة جادة، لتقدم نموذجا لحكم إسلامي يوفق بين الالتزام الديني ومراعاة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، وحقوق المرأة التي كفلها لها الإسلام وأقرتها المواثيق الدولية، ولا يكون ذلك إلا باجتهاد جديد يلتزم بالقطعيات ويجتهد في الظنيات مستصحبا المقاصد والمصلحة والتجربة الإنسانية النافعة؛ ليحقق مصالحة بين الالتزام بالأصل والتعاطي مع العصر؛ وهذا هو جوهر التقدمية المؤصلة التي تمثل حقيقة اجتهادات الحقاني عليه من الله الرحمة والرضوان.

إننا نتطلع إلى أن يحقق الشعب الأفغاني المسلم تطلعاته في الأمن والاستقرار والتنمية بإقامة نظام ينال رضى الشعب ويصون حريته وكرامته وما ذلك على الله بعزيز.

أحبابي في الله

نهنئ قواتنا المسلحة بعيدها السابع والستين ونسأل الله أن يوفقها لبناء جيش قوي يحمي البلاد من أي عدوان خارجي ويحمي إرادة الشعب السوادني في الحرية والديمقراطية ويصون دستور البلاد الذي يختاره الشعب السوداني بإرادته الحرة.

أحبابي في الله:

يقول الحقاني عليه من الله الرحمة والرضوان: “الرياضة ضرورة لحياة الإنسان لأنها: مطلب صحي لتمرين العضلات وأعضاء الجسم، وعلاجية لكثير من الأمراض، وضرورة نفسية لإشباع حب التنافس ولتنفيس حالات الغضب والحزن، ولكسر حالات الملل..” وبهذه المناسبة نهنئ فريق ودنوباوي لصعوده للدرجة الممتازة، وتمتد التهنئة لرئيس نادي ودنوباوي الحبيب الكابتن عادل المفتي، ولأسرة وإدارة ولأقطاب ومشجعي فريق ودنوباوي؛ وشكرا للنعمة نتطلع أن يبادر أبناء حي ودنوباوي بكل مكوناتهم الاجتماعية والثقافية والرياضية شيبا وشبابا نساء ورجالا وأطفالا إلى تحديد يوم لإصحاح البيئة وذلك للقيام بنظافة شاملة للحي بإزالة الأوساخ والأنقاض بحضور المسئولين والاعلام وبدعم من رجال الأعمال لتقديم نموذج لنظافة الحي تقتدي به الأحياء الأخرى.

أحبابي في الله

نسأل الله الشفاء لجميع المرضى، والرحمة لجميع الأموات؛ وتنعى هيئة شؤون الأنصارية زينب الأمين نعيم زوجة جمعة محمد نعيم، ووالدة فتح الرحمن وعمر وعبد الوهاب وعبد المنعم جمعة محمد نعيم، ونترحم على روح الحبيب محمد أحمد عبد الله ود برجوب شقيق الحبيب موسى ود برجوب عضو مجلس الحل والعقد بهيئة شؤون الأنصار، ونترحم على روح السيدة زينب المكي والدة الحبيب الرحل سيد أبوجيب؛ اللهم أرحمهم وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم يارب العالمين.

اللهم ارحمنا وارحم آباءنا وأمهاتنا واهدنا واهد أبناءنا وبناتنا واحفظ بلادنا وأمتنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وهيء لنا من أمرنا رشدا.

أعوذ بالله من الشيطن الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة التي ألقاها الأمير: عبدالمحمود أبو

الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار بمسجد الهجرة بود نوباوي

 يوم الجمعة 17 ربيع أول 1433ه الموافق 10فبراير2012م

الحمد لله الذي خلق الانسان من علق وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد النبي الأمي الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة ومحا الظلمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

ثم أما بعد:

قال تعالى:” هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً ” صدق الله العظيم

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز

الرسالة الاسلامية الخاتمة جاءت في مرحلة النضج الانساني بكل خصائصه. فالإنسان الأول خوطب بشرائع تلائم مقدراته ومتطلباته. ولذلك نجد في الرسالات السابقة انتشار المعجزات المادية والعقوبات العاجلة مثل سفينة نوح وريح صرصر العاتية وناقة صالح وتسخير الحديد لداود، وإحضار قصر بلقيس وتسخير الجن والريح لسليمان، وآيات موسى التسع لبني إسرائيل وغيرها من المعجزات التي كانت تلائم العقل البشري في تلك الحقب، وعند اكتمال النضج العقلي وتوسع مدارك المعرفة  جاء الإسلام بمعجزة تتحدى بإعجازها البشرية منذ نزول الوحي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، تتمثل هذه المعجزة في القرآن الكريم قال تعالى : ” كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ” وقال تعالى:” قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ  لاَ  يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ” فالرسالة الخاتمة  اتصفت بالخصائص التي تجعلها صالحة لكل زمان ومكان وذلك بالآتي:

أولا: الرسول صلى الله عليه وسلم معروفة سيرته لكل دارس: نسبه ميلاده سيرة حياته أسرته وفاته وهو الأمي الذي علم المتعلمين، واليتيم الذي بعث الأمل في قلوب اليائسين، والهادي الذي قاد الإنسانية إلى الطريق المستقيم، إنه النور الذي بدد ظلمات الشرك والرق والخرافة قال تعالى “قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين”

ثانيا: القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد المنزل المتفق على نصه من جميع المؤمنين باختلاف مذاهبهم، وجاء مصدقا للكتب السابقة ومصححا للتحريف الذي ألحق بها ومبينا حقيقة الوقائع التاريخية للرسل السابقين، ومشتملا على أصول المعارف كلها وهو كتاب تتجدد معارفه مع تطور العقل فلا تبلى جدته ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة ترداده فهو نور يبدد ظلمات الجهل قال تعالى: “فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا”

ثالثا: الرسالة الخاتمة جاءت مشتملة على أصول الدين التي جاء بها كل الرسل وجاءت أحكامها ميسرة وتعاليمها مرنة تلائم الفطرة الانسانية وتستجيب لمطالبها المتجددة فالذين يهتدون للإسلام يخرجون من الظلمات إلى النور قال تعالى: ” كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ” وخلاصة القول أن الرسول نور، والقرآن نور، والذي يؤمن بالرسول ويتبع هدي القرآن الكريم سيكون قد خرج من الظلمات إلى النور.

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز

إن المنهج الذي اتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم للتغيير والاصلاح يقوم على الآتي:

أولا: إعداد المجموعة الرسالية التي تحملت أعباء الدعوة إعدادا خاصا بموجبه اتصف الصحابة الأوائل بإخلاص العقيدة وصدق الايمان وقوة الحجة وصلابة الموقف وسعة الأفق والقدرة على التحمل وحضور مقاصد الرسالة في أذهانهم في كافة المواقف.

ثانيا: ارتباط الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه، حيث كان يتفقد أحوالهم ويزور مرضاهم ويعين عائلهم ويستشيرهم في كل الأمور التي تحتاج إلى رأي الجماعة فأصبح قدوة ومثالا يحتذى يحبونه أكثر من حبهم لأنفسهم قال تعالى ” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ “

ثالثا: التعامل مع المخالفين في العقيدة بأسلوب المجادلة بالحسنى وإقامة الحجة والنصح المهذب والانصاف والدعوة لهم بالهداية والعنف لا يستعمل إلا مع المعتدي وفي حدود.

رابعا: اتباع أسلوب التدرج ومراعاة الواقع فالدعوة في مكة ركزت على تصحيح العقيدة وإبطال المفاهيم والعادات المنحرفة ولم يتعد المنهج أسلوب الكلمة ثم كانت هجرة الحبشة ثم جاءت بيعة العقبة لإيجاد موقع جديد يؤمن لهم تطبيق المنهج دون عوائق ثم الهجرة إلى المدينة وهكذا ظل منهج التدرج منهجا اسلاميا معتبرا.

خامسا: استصحاب المشتركات الانسانية التي لا تتعارض مع عقيدة الاسلام وقيمه فأصول اليهودية والنصرانية جاء بها الاسلام والثناء على موسى وعيسى وكل الأنبياء جاء في الاسلام، وبعض تشريعات الرسل السابقين مبثوثة في القرآن الكريم، بل إن بعض الممارسات التي كانت في الجاهلية ولم تتصادم مع عقيدة الاسلام أخذ بها الرسول صلى الله عليه وسلم مثل: اكرام الضيف وخدمة زوار البيت الحرام وقال صلى الله عليه وسلم عن حلف الفضول الذي اتفق عليه زعماء قريش “لو دعيت إلى مثله في الاسلام لأجبت” والقاعدة الضابطة لهذا النهج قوله تعالى: “ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى”

سادسا: بسط قيم الحرية والعدل والمساواة لكل الناس: فالدين لا يكون بالإكراه وإنما بالاقتناع “وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” والعدل مكفول لكل الناس مهما اختلفت عقائدهم “وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل” والناس مهما اختلفت ألوانهم فأصلهم واحد ولا تفاضل بينهم إلا بالتقوى قال تعالى “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”

سابعا: بث الأمل في النفوس وعدم اليأس من رحمة الله فالواقع مهما كان ضاغطا فإن العسر لن يغلب يسرين، فالصحابة في أصعب ظروف الحصار والتعذيب يبشرهم رسول الله بقوله “..والله ليتمن الله هذا الأمر  حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون” وعندما يعتدي عليه أهل الطائف وينزل الملك ليدمرهم يرفض ذلك رسول الله  ويقول: “إني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده اللهم اهد قومه فإنهم لا يعلمون” ويعزي  المذنبين ويحثهم على عدم اليأس  فيقول  لأبي ذر “من قال لا إله إلا الله دخل الجنة …وإن زنا وإن سرق رغم أنف أبي ذر” وينزل الله سبحانه وتعالى آية  تتلى إلى يوم القيامة “قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم”

إن منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة هو المنهج الأصلح للهداية والتغيير لأنه يراعي مقاصد الشرع، ويدرك تغير البيئة، ويعرف طبيعة الانسان المتقلبة، وقبل هذا وذاك إنه منهج الرحمة  بكل أبعادها؛ قال أمير الشعراء مادحا رساله:

وإذا رحمت فأنت أم أو أب                هذان في الدنيا هما الرحماء

وإذا عفوت فقادرا ومقدرا                   لا يستهين    بعفوك الجهلاء

وإذا أخذت العهد أو أعطيته                  فجميع عهدك ذمة   ووفاء

وإذا خطبت فللمنابر هزة                   تعرو   الندى   وللقلوب بكاء

وإذا سخوت بلغت بالجود               المدى وفعلت ما لا تفعل الأنواء

المصلحون أصابع جمعت يدا            هي أنت بل أنت اليد البيضاء

الحديث

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة” رواه البخاري أوكما قال

يغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.

الحمدلله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم

وبعد

قال تعالى “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ(10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ  لاَ  تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ(11)  أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ المُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ  أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ”

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز 

إن الذين اتبعوا منهج التكفير هم من نسل الخوارج فكرا ومنهجا فهم يكفرون العصاة من أمة محمد ويكفرون الذين يردون الأحاديث لشبهة طرأت لهم ويكفرون المسلمين المخالفين لهم في الرأي! هؤلاء اتبعوا منهجا منحرفا طابعه الجهل والنزعة التسلطية وادعاء احتكار المعرفة. واسمعوا إلى الهدي النبوي في هذا الجانب روى البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” من رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله” وعن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم “كفوا عن أهل لا إله إلا الله؛ لا تكفروهم بذنب. من كفر أهل لا إله إلا الله فهو إلى الكفر أقرب” رواه الطبراني وهم يقولون إن شيخهم هو ابن تيمية! وابن تيمية عالم مجتهد مجاهد ابلتي في زمانه بمقلدة العلماء   فاسمعوا ما قاله ابن تيمية متحدثا عن الخوارج الذين حاربهم علي بن أبي طالب قال “وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والاجماع، لم يكفروا مع أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بقتالهم، فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم؟ فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن تكفر الأخرى، ولا تستحل دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة محققة، فكيف إذا كانت المكفرة مبتدعة أيضا؟ ودعا ابن تيمية إلى عدم تكفير المسلمين ونقل عن السلف الصالح مع أنهم اقتتلوا إلا أنهم يوالون بعضهم بعضا موالاة الدين لا يعادون كمعاداة الكفار فيقبل بعضهم شهادة بعض ويأخذ بعضهم العلم من بعض ويتوارثون ويتناكحون ..الخ ويقول الشيخ القرضاوي ومع هذا نجد – فيمن ينسبون أنفسهم إلى ابن تيمية – من يجهل هذه الحقائق كلها ، ومن يشهر سيف التكفير في وجه كل من يخالفه  في رأي يرى أنه الحق ، حتى إن من هؤلاء من كفروا طوائف كبيرة تتبعها جماهير غفيرة من الأمة كالأشاعرة ومنهم من تطاول على كبار  العلماء والدعاة وحكم  بكفرهم غير خائف أن يبوء بذلك كما أنذر بذاك الحديث ويقول  القرضاوي :” ومن الخطأ البالغ الذي يقع  فيه بعض الناشئين في العلم أو الحدثاء في الدعوة، أو المتعجلين في الفتوى: تكفير من ينكر بعض الأحاديث الصحاح من احاديث الآحاد التي  ربما أخرجها الشيخان البخاري ومسلم، أو أحدهما لشبهات لاحت لهم،  قد تكون قوية معتبرة، وقد تكون واهية لا اعتبار لها ولكنها- في نظر أنفسهم- شبهات جعلوها عللا قادحة في ثبوت متن الحديث ويقول ولا وجه للحكم بالكفر في هذه المسألة إذ العلماء لا يكفرون إلا من أنكر السنة مطلقا ولم يعتبرها مصدرا للأحكام الشرعية بعد القرآن لأن من فعل ذلك يلزمه أن ينكر الأمور المعلومة من الدين بالضرورة التي لم تثبت إلا بالسنة . أما من أنكر حديثا أو جملة أحاديث من أحاديث الآحاد لاعتبار ظهر له فلم يذهب فقيه واحد ولاعالم معتبر إلى كفره، وهؤلاء أئمة أهل السنة لم يكفروا الخوارج ولا المعتزلة رغم إنكارهم لأحاديث كثيرة من أحاديث الصحاح كأحاديث رؤية الله تعالى في الجنة رغم استفاضتها وحديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم. وكم من إمام رد حديثا يراه غيره صحيحا ولا يراه هو كذلك، بل من المحدثين أنفسهم من يرد من الأحاديث ما يصححه غيره ولهذا ترك البخاري أحاديث جمة أخرجها غيره وكذلك فعل مسلم في صحيحه، وهذا إمام الجرح والتعديل يحيى بن معين رد أحاديث (فرائض الصدقة) التي أخرجها الشيخان. وأم المؤمنين عائشة ردت أحاديث كثيرة تراها معارضة لظاهر القرآن فقد ردت حديث الميت يعذب ببكاء أهله عليه إذ تراه يعارض قوله تعالى: “ولا تزر وازرة وزر أخرى” وحديث دخلت امرأة النار في هرة ” بأن المرأة كانت كافرة وحديث مناداة كفار قريش الذين دفنوا بأنه يعارض قوله تعالى “وما أنت بمسمع من في القبور “ولم يتهم أحد من الصحابة ولامن بعدهم أم المؤمنين رضي الله عنها برقة دينها أو ضعف يقينها أو تنكرها لسنة زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ناهيك أن يكفروها” انتهى كلام القرضاوي

أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز

إن دين الله محفوظ منذ نزل قوله تعالى “إنا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” ومحفوظ بجهاد المجاهدين والمجتهدين والمجددين الذين يتصدون للمحرفين والغلاة قال صلى الله عليه وسلم ” يبعث الله لهذا العلم في كل عصر عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين”

أحبابي في الله أرسلت هيئة شؤون الأنصار وفودا شاركت الأحباب في احتفالات المولد في كل ولايات السودان نسأل الله أن يوفقنا لنشر دعوة الحق وترسيخ ثقافة السلام والتعايش

اللهم أرحمنا وتب علينا وانصرنا وسدد خطانا إنك على كل شيء قدير.

أعوذ بالله من الشيطن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة التي ألقاها الأمير: عبد المحمود أبّو بمسجد الهجرة بود نوباوي بتاريخ 30 ديسمبر 2015 م

الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم

قال تعالى ” مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ” صدق الله العظيم

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

في هذا الأسبوع مرت بنا الذكرى الثلاثون بعد المائة لتحرير الخرطوم ؛ ذلك الحدث الذي بموجبه نال السودان استقلاله الأول ، وتحت راية الإمام المهدي عليه السلام توحد كل أهل السودان ؛ وأعلنوا الثورة على حكام الخرطوم الظالمين الراكنين إلى قوتهم والمستخفين بقدرات السودانيين حتى فوجئوا بالحصار الذي أطبق على الخرطوم من كل الجهات: الشيخ العبيد ودبدر وأولاده من الشرق،  والأمير عبدالرحمن النجومي وقواته من الجنوب الشرقي، والأمير محمد عثمان أبوقرجة وقواته من الجنوب ، والأمير حمدان أبوعنجة من الشمال الغربي،  والأمام المهدي عليه السلام ومركز القيادة من الغرب حيث عسكر في ديم أبي سعد، وفي اليوم الموعود يوم الإثنين 26 يناير 1885م كانت رايات الأنصار ترفرف في قصر غردون وعلت الأصوات حتى وصلت عنان السماء مرددة الله أكبر ولله الحمد وبهذا تطهّر السودان من دنس الاستعمار على أيدي فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى.

            أولئك آبائي فجئني بمثلهم           إذا جمعتنا يا جرير المجامع

إن تسلسل الأحداث باختصار بدأ واستمر كالآتي:

أولا: أعلن الإمام المهدي عليه السلام الدعوة في الجزيرة أبا في 28 رجب 1298ه 1881م وفي رمضان من نفس العام هاجمت الحكومة الجزيرة أبا بعد فشل سفارة أبي السعود للإمام المهدي فمنيت بهزيمة منكرة، وبعدها هاجر الإمام المهدي إلى قدير فلحق به حاكم فشودة راشد بك ومعه قوة قوامها 1700مقاتل فدمرت عن بكرة أبيها في آخر ديسمبر 1881م.

ثانيا: حركت الحكومة جيشا جرارا بقيادة الشلالي فدمر بكامله وكان عدد القتلى عشرة آلاف مقاتل وشهداء الأنصار كانوا مائتين بينهم السيد حامد أخو الإمام المهدي عليه السلام.

 ثالثا: تحرك الإمام المهدي إلى الأبيض فحررها وقبلها حرر بارا وهنالك جاءته الوفود مبايعة من كل جهات السودان بل من خارج السودان وبعث رسله إلى الحجاز ووداي وسكتو وتونس وسوريا وغيرها من البلدان يدعوهم للتحرك لطرد الاستعمار ولنصرة الإسلام.

رابعا: بعد هذه الانتصارات المتوالية اختار الخديوي توفيق بمساعدة من الحكومة البريطانيةِ ضابطا بريطانيا متقاعدا عرف بالكفاءة في حروب الهند والحبشة وغيرها؛ هذا الضابط هو مورقان هيكس تم اختياره ليقود حملة مصرية تركية ألبانية شركسية مع مجموعات أخرى من الأوربيين للقضاء على الثورة والدعوة المهدية وتتكون القوة من 15 ألف جندي شكلت 9 كتائب مزودة ب26 مدفعا متنوعة واتخذت القيادة الحربية للدعوة المهدية خطة محكمة لمواجهة الجيش الغازي وفي 5نوفمبر 1883م وقعت معركة شيكان وفي بضع دقائق أبيد الجيش بكامله حتى أن الدوائر البريطانية وصفت  ما حدث لجيش هيكس بأنه كان أشبه بإبادة جيش فرعون الذي غرق في البحر وهو يلاحق نبي الله موسى وقومه.

خامسا: في أثناء هذه المعارك كان الإمام المهدي عليه السلام يراجع الخطط والبرامج والتشريع لملاءمة المستجدات على قاعدة لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال فاكتملت خطط بناء الدولة وتشريعاتُها وبرامجها وتم تقسيم الجيش إلى ثلاث رايات استعدادا للتحرك للخرطوم.

سادسا: عندما وصل غردون إلى بربر وعد الأهالي بأنه جاء ووراءه قوة ضخمة ستقضي على المهدية وحذرهم من تأييد المهدية واصفا المهدي بعبارات نابية، ومن الجانب الآخر أرسل خطابا للمهدي يعيِّنه فيه حاكما على كردفان ويدعوه للتعاون لفتح باب الزيارة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم. وأرسل إليه هدية تحتوي على ملابس فاخرة. فرد عليه الإمام المهدي برسالة جاء فيها: ” وقد كتبت إلى حكمدارية الخرطوم وأنا بأبا بدعايتي إلى الحق، وبأن مهديتي من الله ورسوله ولست في ذلك بمُتَحَيِّل ولا مريدٍ ملكا ولا مالا ولاجاها، وإنما أنا عبد أحب المسكنة والمساكين وأكره الفخر وتفخُّر السلاطين “

وجاء فيها: ” فطهر نفسك أولا بالدخول في ملته ثم أشفق على أمته بسلوك سنته” وأما الهدية فأعادها الإمام المهدي إلى غردون وكتب له ” فأما هديتك فعلى حسب نية الخير فجزاك الله خيرا وهداك إلى الصواب، واعلم أنه كما كتبنا لك لا نرغب متاع الحياة الدنيا وزينتها.  كما قال سليمان : ” أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ  ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ” [النمل:36-37]واستمرت رسائل الإمام المهدي عليه السلام لغردون تدعوه إلى حقن الدماء وإلى الدخول في الإسلام أو إذا أراد العودة إلى بلاده فسيسمح له بالعودة عزيزا مكرما، ولكنه كان عنيدا متكبرا مغرورا فقاده عناده إلى حتفه وبلغت رسائل المهدي إلى غردون تسع رسائل.

سابعا: آخر إنذار أرسله الإمام المهدي عليه السلام نصه كالآتي: ” أما بعد، فإن النصائح تتابعت إليك ولم تُلْقِ لها بالا، والدلائل ترادفت عليك ولم تَزِدْكَ إلا ضلالا، وكثرة المواعظ باللِّين لم تُفدك إلا نفورا واستكبارا، لأن الحق يَغشى صدور المؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا، وقد ورد إلينا جوابُك الذي قَصَدتَ به خداع الأهالي بأنّ نجدة الإنجليز مُتَوجهة إليك على ثلاث فرق لتنصرك، وجوابك هذا يدل على كثرة شفقتك وشدة مضايقتك. فإن تمسكت من الخداع بحبال العنكبوت وخشيت أن تموت؛ فلا بد لك أيها الكافر أن تموت. وهذه المواعيد التي تدلس بها من العام الماضي على أهل الخرطوم، وتوعدهم بحضور الإنجليز فلم يزدهم وعدك إلا كثرة الغموم. فالآن لما ضاق بك الحال، وأدركك النكال، صرت من داخل حفرتك التي سجنك الله بها تدنس على من هو في بر السلامة، متحوف بمزيد الكرامة، متمكن من أخبار الركبان الواردة من أطراف البلدان. أترى صحيح الجناح مطلوق السراح محتاج إلى أخبار من هو مثلك في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها. فاعلم يا عدو الله أن الأخبار الحقيقية معنا لامعك، ولم يصل لنا من الأخبار ما فيه لمهجتك انتعاش ولا لشوكتك انتقاش. بل لا مفر لك من القتل بأيدينا أو الموت بقلة المعاش.

ولكن لا عجب منك من انكار المهدي لأنك لم تؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم؛ بل العجب من علماء السوء المقتدين بك الذين أضلهم الله على علم وختم على سمعهم وقلبهم وجعل على بصرهم غشاوة، إذ رضوا بك إماما واتخذوك أستاذا! وصاروا يستفتحون على المؤمنين ويطلبون النصرة للمشركين؛ كأنهم لم يسمعوا قوله تعالى: ” إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الفَتْحُ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ” إلى أن يقول: “ومن العجب تخويفكم للناس بالإنجليز وزعمكم أن الأنصار تنطلي عليهم أراجيفكم . كلا والله لو أتى عدد الرمل من الانجليز وغيرهم ما زادوا الأنصار إلا إيمانا وثباتا في الحصار حتى يذيقكم الله النكال والبوار. فاعتبروا بأمثالكم إن كنتم من أولي الأبصار. وقد كان أهل ققرة الأبيض يتشوقون إلى النجدة تشوق الظمئان إلى الماء، ويتكاتبون بالتشجيع والخداع أكثر منكم. ومع ذلك قد سمعتم ما صاروا إليه، وما استقر حالهم عليه، فإن رضيتم بحالتهم فاستعدوا لها، وإن قرعتم باب التوبة فعسى أن يُفتح لكم، والسلام على من اتبع الهدى” انتهى. أحبابي في الله ألا تستحق هذه الوثيقة أن تكتب بماء الذهب وتعلق في الجدران فتقرؤها الأجيال تلو الأجيال لتعرف عظمة تاريخها وعظمة المهدية التي خلدت اسم السودان في سجل العظماء.

ثامنا: عندما لم ينفع الإنذار واكتملت الاستعدادات وتوفرت المعلومات دعا الإمام المهدي عليه السلام مجلس القادة فاجتمع وقرر فتح الخرطوم. وفي صبيحة الإثنين 26يناير 1885 م كانت الخرطوم تحت قبضة الأنصار واستشهد من الأنصار 175 شخصا بتقديرات سلاطين و10 أشخاص حسب تقديرات الكردفاني.

تاسعا الدروس والعبر:

الدرس الأول: أن السودانيين جُبلوا على الحرية والكرامة؛ فلم يقبلوا بالضيم والقهر ولذلك ثاروا بقيادة الإمام المهدي لاسترداد حريتهم وكرامتهم السليبة. وكذلك يفعلون.  ولا يقيم علي خسف يراد به           إلا الأذلان عير الحي والوتد

الدرس الثاني: إن المهدية حركة تحرر وطني، وإصلاح ديني، وكل الذين انتموا إليها اختيارا كانوا على علم تام بمراميها وأهدافها وظلوا أوفياء لها حتى الرمق الأخير.

الدرس الثالث : من خلال مسيرة أحداث الدعوة والثورة والدولة اتضح أنها حركة مدركة لواقعها، وملمة بمكر أعدائها ؛ فكل معاركها تمت وفق خطط محكمة ودراسة مستوعبة ، فلم تكن حركة دراويش كما يرميها خصومها ؛ بل كانت حركة إصلاح ديني وثقافي واجتماعي ونهضوي والدليل على ذلك أن أعظم صرحين تعليميين الآن في السودان قاما على جهود وأفكار رجلين كانا من قادة المهدية هما الشيخ بابكر بدري؛ مؤسس مدرسة الأحفاد التي تطورت لجامعة الأحفاد للبنات، والشيخ أبو القاسم هاشم؛ مؤسس معهد أم درمان العلمي الذي تطور لجامعة أم درمان الإسلامية.

الدرس الرابع: إن الحديث الرائج بأن غردون جاء لإخلاء السودان حديث مشكوك فيه؛ فقد صحب مجيئه تحرك واسع للقوات البريطانية من مصر بقيادة الميجور جنرال فالنتاين بيكر، فهزمها أمير الشرق عثمان دقنة وتحركت قوات أخرى ضخمة بقيادة قراهام عددها 24 ألفا حملتها 28سفينة حربية بريطانية لاحتلال سواكن والقضاء على الثورة ومحاصرتها من الشرق فتلقوا هزيمة نكراء من فرسان المهدية بقيادة أمير الشرق عثمان دقنة،  وتحرك جيش آخر من مصر عبر النيل والصحراء فتصدى له الأمير محمد الخير وجنوده ودعمهم الإمام بجيش كبير بقيادة الأمير موسى ودحلو ومعه من الأمراء: عبدالله ود برجوب والأمير عجب الفيا والأمير النور عنقرة لإيقاف زحف الجيش الغازي وخاضوا معارك ضخمة أشهرها معركة ” أبو طليح” التي استشهد فيها الأمير موسى ودحلو وكل المذكورين ما عدا النور عنقرة. من هنا يحق لنا أن نشك أن هذه القوات جاءت لإخلاء السودان وانقاذ غردون.

الدرس الخامس : لقد أحدث تحرير الخرطوم صدى واسعا في بريطانيا وكثير من بلاد العالم؛ لقد أصيبت الملكة بحالة لا تحسد عليها ، وفي الجانب الآخر رحبت الصحف الإيرلندية بانتصار المهدي ووصفت الإمام المهدي بالبطل القومي الذي قاد قومه للتحرر، وفي العالم الاشتراكي كان أهم أثر إيجابي هو ما كتبه كارل ماركس لصديقه انجلز قائلا: ” إن الأخبار التي تأتينا من السودان في هذه الأيام أخبار مثيرة للفكر  وإنها ستدفع بنا إلى أن نحيل النظر في مجمل بنية المذهب الشيوعي الذي ندعو إليه ، وستجبرنا على إعادة التأمل في حديثنا عن أن الدين إنما هو مجرد إفراز للوضع الطبقي ” ويضيف قائلا: ” فإن الدين الإسلامي بهذه الصيغة الثورية المهدوية المتفجرة في السودان أصبح وسيضحى وقودا للثورة العالمية ضد الإمبريالية” فضلا عن الآثار الإيجابية التي أحدثتها في العالم الإسلامي.

ومن الدروس أيضا أن وحدة السودانيين ستحقق انتصارات عظيمة إذا أُحسن توظيفها. سلام على مهدي الله وأصحابه وهم قد سطروا لنا هذه الإنجازات الرائعة التي نرجو أن تلهمنا لمواجهة التحديات التي تجابهنا وطنيا وإسلاميا. هذا التاريخ ينبغي أن يدرس لأبنائنا في كافة مراحل التعليم بصورة تجعلهم يستلهمون عطاء السلف ليتزودا بطاقة تمكنهم من المحافظة على الوطن ونهضت، كما ينبغي أن يجعل من يوم تحرير الخرطوم يوما وطنيا تحتفل به الدولة بكل مرافقها ويحتفل به المواطنون في كافة المرافق الثقافية والأندية ومناطق التجمع الشعبي.

الحديث:

قال صلى الله عليه وسلم:” يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها؛ قالوا: أومن قلة يومئذ نحن يا رسول الله؟ قال: “بل إنكم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله المهابة منكم من قلوب أعدائكم ويلقي الوهن في قلوبكم، قالوا وما الوهن يا رسول الله؟ قال: ” حب الدنيا وكراهية الموت ”   أو كما قال. يغفر الله لي ولكم وللمسلمين أجمعين.

هيئة شؤون الأنصار للدعوة والإرشاد

خطبة مكانة الإمامة في كيان الأنصار

ألقاها الأمير الدكتور عبدالمحمود أبو بمسجد الإمام عبد الرحمن المهدي بودنوباوي يوم الجمعة 4محرم 1443هـ الموافق: 13 أغسطس 2021م

أعوذ بالله من الشيطن الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون وأشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة وأدى الإمانة ونصح الأمة وكشف الغمة ومحا الظلمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قال تعالى  : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ )  تيمنا بأصحاب رسول الل هصلى الله عليه وسلم الذين نصروه في المدينة المنورة وهم الأنصار، واستشرافا لدرجة الإحسان التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ” فقد سمى الإمام المهدي أصحابه (الأنصار) لقد جاءت الدعوة المهدية بمفهوم الإحياء ليكون الدين حاكما على تصرفات الناس في كل شئون حياتهم؛ تطبيقا لقوله  تعالى) وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ  ) إن مرتكزات الدعوة المهدية تقوم على التوحيد، وإحياء الكتاب والسنة في حياة الناس الخاصة والعامة، والاجتهاد لتأكيد صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، والجهاد لإعلاء كلمة الله، والقيادة المرتبطة مع الأنصار بالبيعة المبصرة، ومراعاة الجذور والأغوار الروحية لأنشطة المسلم،  وتوحيد أهل القبلة. فالإمامة إذاً ركن أساسي من أركان الدعوة؛ لأن أمر الدين لا يقوم إلا بوجود قيادة مؤهلة تتقلد بقلائد الدين وتميل إليها قلوب المسلمين.

وقد ارتبطت إمامة الأنصار عبر مسيرة الدعوة بالبيعة مع الأنصار، وهي بيعة واضحة في أسسها وفي أهدافها وفي واجبات أطرافها؛ فالإمام وظيفته أن يقود الأنصار إلى ما فيه صلاحهم وفلاحهم في الدارين، والأنصاري بيعته تقوم على الالتزام بأوامر الدين وطاعة القيادة في المنشط والمكره مالم يؤمر بمعصية، وقد كانت بيعة الإمام المهدي تقوم على الأسس الواردة في آخر سورة الممتحنة، التي أصطلح عليها في الفقه الإسلامي ببيعة النساء، مع زيادة وألا نفر من الجهاد. وبعد انتقال المهدي عليه السلام انتقلت القيادة لخليفة المهدي عليه السلام بوصية من الإمام المهدي وظل محافظا على الراية مرفوعة حتى لقي ربه شهيدا في ساحة الشرف في أم دبيكرات.

وبيعة الإمام عبد الرحمن: تضمنت أصول بيعة الإمام المهدي، مع توسيع لمفهوم الجهاد ليشمل الجهاد المدني، وقال الإمام عبد الرحمن: ” ولما كان لقوام الإنسان في صلاح دينه حالتان: نور يفيض على القلوب وسلطان يتحكم في الأبدان؛ فإنّا أَمَرْنا أن تكون بيعتنا بيعة رضا.

وبيعة الإمامين الصديق والهادي؛ كانت تقول الآتي:”بايعنا الله ورسوله ومهديه والإمام الصادق من بعده والإمام الصديق من بعدهما وبايعناك على فرائض الإسلام والاستقامة وقراءة القرآن العظيم والراتب أو ما تيسر منهما وطاعة أمرك فيما يرضي الله ورسوله بايعناك على أن لا نعصيك في معروف تأمرنا به وأن نراقب الله في السر والعلن والناجي منا يأخذ بيد أخيه يوم القيامة. كان نهج السيد عبد الرحمن في التعامل مع المتناقضات الموروثة من المهدية في أوساط الأنصار إنجازا عبقريا بكل المقاييس لأنه غير المورثات دون أن يتخلى عن صدق الدعوة، وعمر الدنيا دون التخلي عن عمارة الآخرة، وصرف الأنصار عن الثورة المسلحة دون أن يؤثر سلبا في حماستهم وروحهم الفدائية.

بيعة الإمام الصادق :الإمام الصادق المهدي جاء في عصر تغيرت فيه الأحوال واقتضى الأمر أن تُدار أمور الكيان عن طريق مؤسسات متخصصة، ولذلك كُوّنت هيئة شؤون الأنصار لتقوم بشأن الدعوة وكل ما يتعلق بها، من الأمور التنظيمية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وأصبحت الإمامة في ظل هذا الوضع تتم بالانتخاب، وقد انعقد المؤتمر العام الأول لهيئة شؤون الأنصار في 2002م وضم ممثلين لكل الوجود الأنصاري في الداخل والخارج، بحضور خمسة آلاف عضو وعضوة صُعّدوا من القواعد ومثلوا كل شرائح المجتمع؛ وفي هذا المؤتمر تم انتخاب السيد الصادق إماما للأنصار وجاء نص البيعة كالآتي: “بايعناك على قطعيات الشريعة ، بايعناك على بيعة الإمام المؤسس الأول وخليفته وبيعة الإمام المجدد الثاني وخليفتيه، بايعناك على الشورى وحقوق الإنسان، بايعناك على صلاح الدنيا وفلاح الآخرة، بايعناك على الطاعة المبصرة فيما يرضي الله ورسوله والله على ما نقول شهيدهذه البيعة واضحة المعالم قائمة على أسس التزم المُبايَع أن يصونها ويحافظ عليها والتزم المبايِعون أن يحافظوا عليها ويلتزموا بها في أنفسهم ويساعدوا الإمام المبايَع علي تطبيقها والمحافظة عليها.

إن هذه البيعة تقوم على الآتي:

أولا: المحافظة على قطعيات الشريعة: فالشريعة الإسلامية منظومة متكاملة تحكمها نصوص شرعية، ومبادئ، وقواعد، ومقاصد، وكليات، وتنقسم إلى أصول وفروع، وثوابت ومتغيرات، وأحكام قطعية وأحكام ظنية؛ فالبيعة توجب الالتزام بالأصول والثوابت والقطعيات باعتبارها قواعد حاكمة مجمع عليها من جميع أهل القبلة. وأما الفروع والمتغيرات والظنيات؛ فيجوز فيها الاجتهاد من أهله بشروطه.

ثانيا: الالتزام بأصول بيعة المؤسّس والمجدّد: الدعوة الأنصارية قائمة على مبادئ ووسائل، قال الإمام المهدي عليه السلام:”طريقتنا لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومذهبنا الكتاب والسنةوقال:”أنا عبد مأمور بإحياء الكتاب والسنة المقبورين حتى يستقيماوقال الإمام عبد الرحمن المهديحفظت من المهدية سلامة العقيدة وصحة العبادة وروح الجهاد وقال:( قلت لكم أنا إمامكم ووسيلتكم إلى الله، لا يستطيع أحد أن يمسك بيد أحد ثم يعرج به إلى الله ولكن الوسيلة يهديك ويرشدك ويدلك، حتى يتنور قلبك، فإذا تنور قلب العبد تجلت فيه معرفة الله، وبمعرفة الله يوفق إلى صالح الأعمال وبصالح الأعمال يصل الإنسان إلى الله. أما إمامتي فمشروطة باقتفاء أثر الإمام المهدي عليه السلام، يا إخواني أقوالي وأفعالي وما آمركم به أعرضوه على الكتاب والسنة فإن وافقت الكتاب والسنة فاعملوا بها وإلا فاضربوا بها عرض الحائط وابحثوا لكم عن طريق تصلون به إلى الله ثم تلى قوله تعالى: ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ). هذه الأصول هي التي استصحبتها بيعة الأنصار للإمام الصادق المهدي، وأما الوسائل لتحقيقها فهي متجددة، على أساس قاعدة: “لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال“.

  لقد تعرض الكيان الأنصاري لمحن كثيرة عبر تاريخه وما زادته إلا قوة وصلابة وثقة وخرج منها كلها ظافرا منتصرا ، قال الإمام المهدي عليه السلام: “إن ناري هذه أوقدها ربي وأعدائي حولها كالفراش كلما حاولوا أن يطفئوها أحرقوا بها وصار أمري فاشيا“.

يغفر الله لي ولكم وللمسلمين

الخطبة الثانية

الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم

وبعد

قال تعالى:(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُون)

أحبابي في الله

 من أصول البيعة؛ الالتزام بمنهج الشورى في إدارة العمل الأنصاري وفي الشأن العام؛ ففي مجال العمل الأنصاري فإن الشورى تنظمها مؤسسات هيئة شؤون الأنصار فممارسة الشورى من خلال العمل المؤسسي في داخل المؤسسات؛ والالتزام بقرارات المؤسسة والحرص على تنفيذها؛ من موجبات البيعة.

من بنود البيعة؛ العمل على تحقيق صلاح الدنيا وفلاح الآخرة :الإسلام جاء لينظم علاقة الإنسان بربه وبمجتمعه وبالبيئة التي تحيط به، وأحكام الشريعة جاءت لتحقيق صلاح الإنسان الفردي وإصلاح المجتمع، والغاية من كل أعمال الدنيا أن يفوز المؤمن برضاء الله وينجو من هول اليوم الأكبر ، قال تعالى“قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ  لاَ  شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلِمِينَ  ]وقال تعالى: [فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا  الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ وَإِنَّمَا الغُرُور]

إن البيعة توجب على الأنصاري أن يجتهد لصلاح حاله في الدارين، وذلك بتطبيقه للأحكام الشرعية في كل شئون حياته، ومراقبة الله سبحانه وتعالى في كل أحواله، مع الأخذ بالأسباب ومراعاة السنن والتوكل على الله. ومن برامج الهيئة المجازة في المؤتمر العام إنشاء مؤسسات خدمية واستثمارية في الصحة والتعليم والزراعة والصناعة تحقيقا لمصالح الأحباب الدنيوية؛ ولكن الكيان كان مستهدفا من النظام المباد حيث حرمه من حقوقه المشروعة وضيق عليه في كل المجالات التي تحقق نهضته؛ والآن بعد زوال الأسباب فإن الهيئة ستتجه لتحقيق تلك المجالات.أحبابي في الله

إن بيعة الإمام الصادق عليه من الله الرحمة والرضوان؛  تمت عن طريق المؤسسة ولذلك فإن الأهداف التي تسعى المؤسسة لتحقيقها واضحة ومنشورة في الدليل الأساسي لهيئة شؤون الأنصار. والهيئة مؤسسة جامعة لكل الأحباب وأبوابها مفتوحة لكل من اقتنع برسالتها الدعوية والتزم بمنهجها ومدرستها الفكرية ومؤسسيتها وشروط عضويتها وما توجبه من التزام تنظيمي، بغض النظر عن خلفيته الثقافية والفكرية أو أسرته أو موطنه.

أحبابي في الله:

 إن القيادة الروحية تكون بواحدة من خمسة طرق؛ الطريق الأول الاصطفاء الالهي: فالله سبحانه وتعالى يصطفي عبدا من عباده ويؤيده لتجديد أمر الدين كما حدث للإمام المهدي عليه السلام، والطريق الثاني: يلقي الله المحبة على عبد من عباده ويكرمه بمحبة الناس فيجمعون عليه إماما ودليلا كما حدث مع الإمام عبدالرحمن ؛ والطريق الثالث؛ وصية من الإمام الراحل بأنه خلف شخصا معينا ليكون خليفة له ويرضى به الناس كما حدث مع وصية سيدنا أبي بكر لسيدنا عمر بن الخطاب، وما وصى به الإمام عبدالرحمن لخليفته الإمام الصديق. والطريق الرابع: اختيار أهل الحل والعقد كما حدث في اختيار الإمام الهادي من قبل المجلس الخماسي الذي عينه الإمام الصديق؛ والطريق الخامس: الاختيار عبر المؤسسة وهي آخر الوسائل التي توصل لها كيان الأنصار باختيار الإمام الصادق المهدي وثبتها في دستور يحكم عمل المؤسسة، وهو الأسلوب المواكب للعصر ويتلاءم مع ما توصل إليه الفكر الإنساني لتنظيم الشورى عن طريق المؤسسة.

 والدليل الأساسي لهيئة شؤون الأنصار نظم ذلك ؛ حيث نص على أن مجلس الحل والعقد بهيئة شؤون الأنصار هو الآلية الوحيدة الحصرية التي تقوم بترشيح الإمام وفق الشروط المنصوص عليها لاختيار الإمام ومن ثم يرفع هذا الترشيح لمجلس الشورى للمصادقة عليه ثم يقوم مجلس الشورى برفعه للمؤتمر العام للموافقة عليه وبيعته، وبذلك يصبح إماما للأنصار يبابع من الجميع بيعة مباشرة أو عن طريق من يفوضهم من قادة المؤسسة.

إن ما قرره الأنصار فيما يخص اختيار الإمام عبر المؤسسة وبالشروط والضوابط المنصوص عليها قد حسم الأمر وقفل الباب أمام أي ادعاء وراثي أو أسري، وجعله حصرا على الشورى عبر المؤسسة، وفي حالة غياب الإمام بموته أو عجزه فإن مجلس الحل والعقد يقوم مقامه إلى حين قيام المؤتمر العام الذي يقرر بشأنه.

إن الشعارات التي رفعها الإمام الراحل الصادق المهدي وعمل على تحقيقها هي: (الإحياء الإسلامي في العصر الحديث، المحافظة على كرامة الإنسان وصيانة حقوقه وحرياته الأساسية، والمحافظة على سلامة الوطن واستقراره والالتزام بالشورى والمؤسسية في إدارة الكيان والشأن العام، والالتزام بالديمقراطية في الحكم، والتداول السلمي للسلطة، وصيانة حقوق المرأة، والتعايش الديني، ومكافحة الاستبداد، ومحاربة الفساد، وتحقيق العدالة وكفالتها للجميع..) هذه المبادئ تمثل مشارع الحق التي تعمل الهيئة على تحقيقها وبفضل الله تعالى أصبحت هيئة شؤون الأنصار مكان ثقة من معظم الجماعات الإسلامية والطرق الصوفية والمؤسسات الدعوية في الداخل والخارج ولها مشاركات في المؤتمرات الدولية ويرجع إليها في كثير من الفتاوى والقضايا الإسلامية التي تهم المسلمين؛ وسوف تعمل على المراجعة مؤسسيا لتجويد العمل وتطويره. قال تعالى:[قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا  أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ].

اللهم ارحمنا وارحم آباءنا واهدنا واهد أبناءنا واهدنا الصراط المستقيم.

خطبة وداع الحبيب

ألقاها الأمير عبدالمحمود أبو الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار بمسجد القبة بتاريخ: 12 ربيع ثاني 1442هـ الموافق:27 نوفمبر 2020م

أعوذ بالله من الشيطن الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين المستحق لجميع الحمد، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنجينا يوم الهول الأكبر، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ختم الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة ومحا الظلمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على دربه إلى يوم الدين.

أما بعد:

قال تعالى:” كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ  فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بْالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ  وَلاَ تَقُولُوا لِمْن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ  وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ” صدق الله العظيم

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز:

سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاسلام والايمان والاحسان قال عن الاحسان” أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك”[1] وقد سمى الامام المهدى عليه السلام الذين أيدوا دعوته الأنصار؛ تطلعا لبلوغ مقام الاحسان الذي بينه الرسول صلى الله عليه وسلم واستجابة للآية الكريمة” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ…”. لقد جاءت الدعوة المهدية بالتوحيد والتجديد والاجتهاد؛ فاهتمت بتجميع الحق الذي تفرق بين الجماعات المختلفة ومرتكزاتها تؤكد ذلك، فقد جاءت بمدرسة جديدة تعتبر ثورة على الفكر الإسلامي التقليدي وتتمثل تلك المدرسة في الآتي: –

  • الالتزام بالكتاب والسنة المرجع الأول في التشريع الإسلامي.
  • عدم التقيد بالمذاهب؛ لأنها اجتهادات أئمة صالحة في زمانها ولكل زمن منطقه.
  • التمييز بين الثابت والمتغير لتأكيد صلاحية الرسالة الخاتمة وملاءمتها للمستجدات.
  • التعامل مع الإسلام بعمق يجعله تجسيدا حيا في الواقع وليس نصوصا وشارات شكلية.
  • تجاوز الخلافات التاريخية بين الفرق المسلمة، وبين العقل والنقل، وبين الحقيقة والشريعة باعتبار أن الإسلام يوفق بينها دون تصادم (توحيد أهل القبلة).
  • إحياء الجهاد بمفهومه الواسع والاجتهاد للتعامل مع المستجدات لأن حيوية الإسلام تقوم عليهما.
  • –        الالتزام بمنهج واضح المعالم للتجديد والإحياء.

  لقد أحدثت المهدية تحولا كبيرا في السودان وتأثر بها المسلمون ودعاة التحرر من الصين حتى غرب أفريقيا، وجاءت بمفاهيم جديدة في مجال الفكر والممارسة والحياة وأثبتت عمليا قدرة الاسلام على إحداث التغيير ومواجهة تحديات كل عصر: –

إن هذا الإرث الذي تجسده الدعوة الأنصارية كان لكل قائد من قادة الأنصار بصمته التي تميز منهجه في التعامل مع عصره فمهدي الله عليه السلام قال: “لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال” وخليفة المهدي قال: “فلتذهب الدولة ولتبقى الدعوة” والإمام عبد الرحمن قال: “لا شيع ولا طوائف ولا أحزاب ديننا الإسلام ووطننا السودان،” والإمام الصديق قال: ” “إن هذه البلاد ملك لكم ولغيركم من المواطنين وإن الإلمام بأحوالها والسعي لصالحها أمانة على أعناقنا جميعاً” والإمام الهادي قال:”لا سلام بلا إسلام فلنمت وليحيى الدين والوطن” فهي دعوة تستند على قواعد صلبة لا تزيدها الشدائد إلا قوة وتتجدد كل حين لتؤتي أكلها بإذن ربها.

الحديث: قال صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت ولكنكم تستعجلون” أو كما قال

يغفر الله لي ولكم وللمسلمين

الخطبة الثانية

الحمدلله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم

وبعد قال تعالى:” إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِّلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ المُشْرِكِينَ شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ”

إن الحبيب الراحل كان متفردا في مسيرة حياته منذ قدومه إلى الدنيا وحتى مغادرته لدار البقاء، فمولده كان آية شهد بها من حضرن لحظة الميلاد وعلاقته بجده الإمام عبدالرحمن المهدي وكل محطات حياته في الصبا والشباب والدراسة ودخوله الحياة العامة ومعاركه الفكرية والسياسية في الحكم والمعارضة كلها تمثل فصولا في مدرسته التي تميزت بالجدية والشمول والتوفيق بين الواقع والواجب تحقيقا للمقاصد، ولم يغادر الحياة خلسة بل شارك أمته آلام الجائحة التي امتحنت بها وتحمل جسده الطاهر آلام البلاء أضعافا مضاعفة حتى أصيب القلب الكبير المليء بالحب والسماحة والرضا فلم يقو على مقاومة الداء فتوقف وسكن وغادر دار الصراع إلى دار الرضا والقرار” يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي”

أحباب في الله وأخواني في الوطن العزيز

لم يغادر الحبيب الإمام دار الاستخلاف حتى اكتملت مهمته فيها وتحددت معالم مدرسته المتمثلة في الآتي:

المدرسة الفكرية: لقد بلور الحبيب الإمام الصادق مدرسة فكرية وفقت بين الثنائيات التي شغلت الفكر الإنساني وأكدت عدم التعارض بين النقل والعقل والكتاب المسطور والكتاب المنظور فهي مدرسة تجمع بين الأصالة والمعاصرة؛ وتضمن تفاصيلها في كتبه تجاوزت المائة كتاب وهي مبثوثة ومطبوعة تتزين بها المكتبات.

المؤسسة الدعوة: نقل الحبيب الإمام رحمه الله العمل الدعوي من الاجتهاد الفردي إلى العمل المؤسسي فكانت هيئة شؤون الأنصار المؤسسة الدعوية التي تتولى النشاط الدعوي الأنصاري وكل الأنشطة الإنسانية الثقافية والاجتماعية غير السياسية.

الرسالة الوطنية: للحبيب الإمام مدرسة وطنية تقوم مشاركة الجميع في حل الأزمات الوطنية وتعزز ثقافة الديمقراطية والحلول السلمية والمواطنة وحقوق الإنسان وهي مدرسة تقوم على المبادئ والاستقامة وإعلاء المصلحة الوطنية على المصالح الذاتية.

النموذج الإنساني: الحبيب الإمام يتعاطى مع الناس بنزعة إنسانية غاية في الرقي والاحترام فتعامله مع الجميع الرجال والنساء والأطفال على أساس الكرامة الإنسانية ومراعاة الإيجابيات وهو تعامل لاحظه كل من قابله أو تعامل معه.

العلاقة الأسرية: ذكر الحبيب الإمام في أكثر من موقف أنه في تعامله مع أسرته لا يستعمل العنف ولا فرض الأوامر وإنما يتعامل معهم كأصدقاء يربيهم بالقدوة والحوار والملاحظة فأكرمه الله بذرية صالحة تبعت منهجه بقناعة وحب.

العلاقة مع الآخر: أسس الحبيب مدرسة للعلاقة مع الآخر تقوم على التواصل والتعارف والتعاون في المشتركات والإعذار فيما عداها ولذلك له علاقات مع الجميع داخل الوطن وخارجه تجلت في توحد السودانيين في محبتهم لهم وشعورهم باليتم عندما أصبحوا وهو ليس بينهم بل غادرهم إلى دار البقاء؛ فالمشاعر الصادقة التي عبروا بها عن حزنهم تؤكد أنه كان أمة.

فلسفة الحياة: يتعامل الحبيب الإمام مع الحياة وتقلباتها بمنهج الرضا فهو صاحب مقولة “الإنسان يحزن فيسود أفقه ويكره فتضيق دنياه ويفرح فيطيش صوابه وينسى واقعه فيعيش في الخيال ويخلد إلى الواقع فيقتله الملل” ويقول إن الإنسان لكيلا تؤثر فيها تناقضات النزعات النفسية فإن علاجه في آية واحدة في القرآن “لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم” وكل من تعامل معه يدرك مدى قدرته على نقل الإنسان من أجواء الحزن والكآبة والسلبية إلى أجواء الرضا والتفاؤل والإيجابية.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز:

سئل الحبيب الإمام مرات كثيرة عن خليفته فقال إنه تعهد كثيرا من أبنائه وبناته في الكيان بشقيه الدعوي والسياسي روحيا وفكريا وأنه واثق بأن مدرسته قادرة على الاستمرار وتطوير ذاتها من خلال عطاء المؤمنين بها وأنه بنى مؤسسات سياسية ودعوية وفكرية تحكمها نظم ولوائح وأهدافها محددة هي من يخلفه؛ ونقول له نم هانئا يا حبيب فالشجرة التي تعهدتها قد أثمرت والطريق الذي رسمته قد استقام والراية التي رفعتها لن تسقط بإذن الله.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

أذكر ثلاثة مواقف من المواقف الكثيرة التي تعلمناها من حبيبنا الإمام الصادق رحمه الله ورضي عنه:

الموقف الأول: الرحلة الخارجية

الموقف الثاني: حادثة مسجد الهجرة

الموقف الثالث: موقفي مع الراحل البروفيسور أحمد علي الإمام

أحبابي في الله باسم هيئة شؤون الأنصار نشكر أهل السودان باختلاف مشاربهم وانتماءاتهم ومناطقهم على وقفتهم الصادقة ووداعهم لحكيم السودان فقد أثبت شعب السودان بأنه شعب كريم أبي يستحق كل خير ويتشرف المرء بالانتماء إليه، ونعزي أنفسنا وكل أهل السودان على هذا الرحيل المر في هذا الظرف الحرج؛ ونعزي آل الإمام المهدي وخلفائه وعلى رأسهم مولانا السيد أحمد المهدي في هذا الفقد العظيم ونؤكد لهم أن المؤسسات التي بناها الحبيب الإمام الصادق المهدي تكن لآل المهدي كل التقدير والاحترام، وهي متاحة لهم للمشاركة فيها وفق المبادئ الراسخة واللوائح الناظمة، والأسس المؤهلة التي حددها الإمام المهدي عليه السلام بقوله عن مؤهلات الولاية:” من تقلد بقلائد الدين ومالت إليه قلوب المؤمنين”

ونعزي أبناء الإمام الروحيين من الكوادر التي تشربوا قيم مدرسته وتأهلوا على يديه وانتشروا في الآفاق وندعوهم إلى تجميع صفوفهم والتفافهم مع المؤسسات وفاء للقيم والمعاني التي ضحى الحبيب من أجلها ونحن نعلم أنه نذر حياته كلها لخدمة دينه ووطنه وتجرد تماما من الذاتية والمصالح الشخصية حتى غادرنا إلى دار البقاء.

اللهم إنك تعلم ونحن نشهد أن عبدك الصادق جاءك مؤمنا بك مقتديا برسولك محبا لمن مضى من السلف الصالح من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

اللهم إنه جاءك واثقا بك مطمئنا لك فأنزل عليه شآبيب رحمتك وتجاوز عن سيئاته وأكرمه بصحبة المصطفين الأخيار، اللهم أنزل على قلوبنا الصبر على فراقه وثبتنا على هذه الشدة وقوي نورنا ليهون علينا ذلك، اللهم أكرم نزله ووسع مدخله وأنزله منزل صدق يارب العالمين.

وندعو الأحباب في ولاياتهم ومناطقهم أن يصلوا عليه صلاة الغائب ويتلقوا العزاء هناك نظرا للظروف الصحية التي تمر بها البلاد.

ونشكر الذين جاءوا وشاركونا وداع الحبيب نسأل الله أن يتقبل مسعاهم ويحصنهم من الآفات والبلايا.

قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله


[1] رواه البخاري مختصر صحيح البخاري رقم (47)

أعوذ بالله من الشيطن الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة التي ألقاها الأمير: عبدالمحمود أبو بمسجد الهجرة بودنوباوي بتاريخ: 19 ربيع الثاني 1442هـ الموافق:4ديسمبر 2020م

الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا، والصلاة والسلام على نبي الرحمة الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

أمابعد

قال تعالى:” وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي  لاَ  يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ”

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

عندما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى؛ واجهت المسلمين ثلاث قضايا: القضية الأولى: هل مات رسول الله؟ وإذا ثبت أنه مات فأين يدفن جثمانه الطاهر؟ ، والقضية الثانية كيف تكون خلافته صلى الله عليه وسلم  ومن يخلفه؟ والقضية الثالثة: كيف يتعاملون مع المستجدات التي لم يرد نص على أحكامها صراحة؟ أما موضوع الوفاة فقد انبرى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكل من يقول إنه مات مهددا! حتى جاء رفيقه وصديقه أبوبكر الصديق رضي الله عنه فأكد الوفاة قائلا:” من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لايموت”مستشهدا بقوله تعالى:” وَمَا  مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ” وحَسَمَ أمر الدفن بقوله يدفن في المكان الذي قبض فيه.

واختلفوا في أمر الخلافة وبعد نقاش حَسَم الأمر عمر بن الخطاب بمبايعة أبي بكر وبايعه الناس، وبعد عصر الراشدين بل في عهد علي بن أبي طالب تجدد النزاع حول الخلافة وسالت دماء غزيرة بشأنها حتى قال الماوردي:” ماسُلَّ سيف على قاعدة دينية في الإسلام مثل ما سُلَّ في الإمامة العظمى”

      أما الأمور المستجدة التي لم ينص عليها فالأحكام بشأنها تستنبط بالقياس والإجماع . وفي هذا الصدد نشأ موقفان على طرفي نقيض مع وجود مواقف متدرجة بينهما : أهل الحديث والظاهريون التزموا بالنصوص وبظاهر معانيها . والمعتزلة أخضعوا النصوص لتأويلات عقلية .

إن قضية إكتمال الدين وثبات النص وظهور المستجدات ومسألة الخلافة؛ قضايا فتحت الباب لحوارات ومناقشات جادة في الجسم الإسلامي ودفعت علماء المسلمين لاجتهادات متنوعة تتجدد كلما طرأت عوامل جديدة حتى يومنا هذا.

أحبابي في الله

غادرنا الحبيب إلى دار الخلود في ظرف حرج تمر به بلادنا وأمتنا، وكان الحبيب يردد دائما أن المهدية نصرها متأخر وقد ظهر هذا النصر يوم تشييعه المهيب فقد شهد له الجميع بالصدق والحكمة وثاقب الرؤية، وبكته القلوب قبل الأعين وشعر الجميع بالفراغ الذي تركه.

إن رحيله آية وحدث كبير في مرحلة مفصلية من تاريخ بلادنا وكياننا وأمتنا

كأنما كان المتنبي يعنيه بقوله :

ماكنتُ أحسبُ قبل دفنك في الثرَى  

                          أن الكواكبَ في التراب تغورُ

ما كنتُ آمَلُ قبلَ نعشكَ أن أرَى     

                      رَضوَى على أيدي الرجالِ تسيرُ

خرجوا به ولكل باكٍ خَلْفَهُ          

                      صَعَقاتِ مُوسَى يومَ دُكَّ الطُّورُ

والشمسُ في كَبْدِ السماءِ مريضةٌ       

                             والأرضُ واجفةٌ تكادُ تمورُ

وحفيفُ أجنحةِ الملائكِ حولهُ  

                           وعيون أهلِ [البقعة] صورُ

حتى أتَوْا جَدَثًا كأنَّ ضريحَهُ      

                             في قلبِ كُلِّ مُوَحِّدٍ مَحْفُورُ

عندما تفتحت عيون الإمام الصادق المهدي على الحياة العامة وجد أمة الإسلام مواجهة بتحديات كبيرة؛ فكرية وثقافية وسياسية وغيرها.

إن أهم التحديات التي واجهت أمة الإسلام في القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين هي:

التحدي المفاهيمي: المتمثل في الفهم الشامل للإسلام وعلاقة الإسلام بالرسالات السابقة، والتوفيق بين الكتاب المقروء والكتاب المنظور، واستصحاب مصادر المعرفة كلها.

التحدي الفكري: الذي فرضته المدارس الفكرية العلمانية والاشتراكية والرأسمالية والقومية وكل الأفكار التي تتبناها حركة الحداثة.

التحدي الثقافي: المتعلق بالفنون والرياضة وتحرير المرأة وثقافة الحوار وحقوق الإنسان.

التحدي السياسي: الخاص  بطبيعة الدولة والنظام السياسي والانتقال السلمي للسلطة والفصل بين السلطات والديمقراطية والشورى.

التحدي العلمي: الذي أبرزته الحرية الفكرية وحرية البحث العلمي والتطور العلمي والتكنلوجيا

التحدي الدولي: المتمثل في النظام الدولي الذي على قمته الأمم المتحدة ومجالسها المتخصصة والمواثيق والمعاهدات الدولية ؛ هذه التحديات واجهت الفكر الإسلامي وشغلت العلماء والمفكرين وكان الإمام الصادق من أكثر الناس هما واجتهادا وعملا لمواجهة هذه التحديات؛ وفي الإطار الأنصاري وجد كيان الأنصار في أوج قوته تحت قيادة الإمام عبدالرحمن المهدي والإمام الصديق والإمام الهادي ثم رآه يتعرض لحملة انتقامية سعت لاستئصاله شارك فيها بنو جلدتنا بتدبير إقليمي، وبنظره الثاقب رأى أن مستقبل الكيان رهين ببلورة مدرسة فكرية واضحة المعالم وبقيام مؤسسة دعوية تتولى قيادة العمل الأنصاري في كل مجالاته.

لقد وظف الحبيب الإمام رضي الله عنه وطيب ثراه كل لحظة في حياته لمواجهة التحديات التي تواجه أمة الإسلام والتحديات التي تواجه كيان الأنصار؛ فجاهد واجتهد وحاور وناظر وحاضر ووظف كل طاقاته لبلورة مدرسة متكاملة تجيب على تساؤلات التحديات المعاصرة وترسم معالم الطريق لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. إن عناوين كتبه ورسائله وأطروحاته تبين حجم اهتمامه بما ذكرنا؛ فمن عناوين كتبه الآتي:

الصحوة الإسلامية ومستقبل الدعوة – مستقبل الإسلام في السودان – المنظور الإسلامي للتنمية الاقتصادية – الزكاة والنظام المالي في الإسلام – العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الإسلامي – جدلية الأصل والعصر – نظرة مستقبلية للإسلام في ظل النظام العالمي الجديد – المرأة وحقوقها الإنسانية والإسلامية – مفهوم الدولة في الإسلام – الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من منظور إسلامي – الإسلام والتحول الاجتماعي – التحدي العلماني الجذور والأبعاد – تحديات التسعينات – نحو مرجعية إسلامية متجددة؛ وغيرها من المؤلفات التي تبين حجم اهتمامه والدور الذي قام به في خدمة الإسلام والرد على الشبهات التي تثار حول تعاليمه، ولم يقف دوره عند الرد على الشبهات والاجابة على التساؤلات؛ بل كان يقدم البديل الذي يوفق بين المقاصد الشرعية والمصالح الإنسانية، أو مايسميه الواجب والواقع والمزاوجة بينهما.

وقدم أطروحة في هذا الصدد لكل المسلمين بعنوان نداء المهتدين يدعوهم فيها للاتفاق على رؤية مشتركة والعمل على أساسها لمواجهة التحديات التي تواجه الأمة وخلاصتها:

يا أهل القبلة تعالوا إلى كلمة سواء بيننا:

أولا: إن كتابنا واحد معلوم ومحفوظ النص، ورسولنا واحد معلوم السيرة والهوية. هذه من نعم الله علينا. كتاب الله وسنة رسول الله بين أيدينا. علينا أن نؤمن تماما بأن ما نلتزم به هو القطعي ورودا والقطعي دلالة من الكتاب والسنة. أما الظني ورودا والظني دلالة وما ليس فيه نص أصلا فأمور اجتهادية غير ملزمة لنا.

ثانيا: التعامل مع الآخر المذهبي الإسلامي يجب أن يقوم على الإيمان المشترك بالقطعيات والاعتراف المتبادل بالاجتهادات على أساس أن التقليد في الاجتهادات غير ملزم وأن القاعدة السنية من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فاخطأ فله أجر واحد.

ثالثا: هنالك عوامل مستجدة اختلف المسلمون حول كيفية التعامل معها:

وعصرنا الحالي يمتاز بإلغاء المكان عن طريق المواصلات، وإلغاء الزمان عن طرق الاتصالات مما يتيح لنا وسائل افضل في التعامل مع هذه القضايا. الأسلوب الأمثل هو تحديد هيئة أو هيئات فنية ذات معرفة وتخصص في كل المجالات ذات دور استشاري. واتخاذ هيئة أو هيئات تشريعية ذات تفويض شعبي للتداول بشأن المستجدات واتخاذ قرار بشأنها.

رابعا: ينبغي أن نحدد أساسا واضحا للتعامل مع الآخر الملي في أوطاننا. إنهم وجدوا معنا في هذه الأوطان واستمروا فيها باختيارهم، وإن هذا الموقف أكسبهم موقف أهل العهد عهد المواطنة-

خامسا: النظام الدولي الحالي يقوم على أساس العهد الذي يقوم عليه نظام الأمم المتحدة. إنه نظام بالنسبة للمسلمين يعتمد على مرجعية إسلامية أساسية هي: “وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا”[الإسراء:34] و  “لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ..”[الممتحنة:8]

سادسا: هنالك منجزات حققها الغرب لا تتعارض مع أصول مبادئنا الإسلامية، ولكن الفضل في تحقيقها وتكوين مؤسسات لاستدامتها يرجع للحضارة الغربية في المقام الأول. تلك المنجزات ينبغي أن نستصحبها دون أدنى حرج، وأن نحدد مرابطها في مقاصد الشريعة الإسلامية؛ تلك المنجزات هي : الحرية الفكرية وحرية البحث العلمي والتكنولوجي، والنظام السياسي الذي يقوم على رضا المحكومين ومساءلة الحكام ويحقق التداول السلمي للسلطة والخضوع العسكري للشرعية الدستورية. والنظام الاقتصادي الذي يقوم على آلية السوق الحر لا سيما في مجال الاستثمار والإنتاج والتبادل التجاري. والالتزام بحقوق الإنسان على أساس أن الله كرمه وأوجب له حقوقا مقدسة.. وحقوق الإنسان في الإسلام تمتاز على غيرها لأنها تستمد من جذور روحية وخلقية وتستوجب جزاءا أخرويا. وتحرير المرأة التي جعلها الله شقيقة الرجل وساوى بينهما إنسانيا وإيمانيا.

سابعا: الجهاد هو ذروة سنام الإسلام. والجهاد هو رهبانية أمة محمد (ص). والجهاد ماض إلى قيام الساعة. إن مادة جهد هي أساس الصلاح والفلاح والنجاح في كل مجالات الحياة. المطلوب تصحيح مفهوم الجهاد للتمييز بينه وبين العنف العشوائي والإرهاب.

إن اتحاد الفهم بين كافة أهل القبلة حول هذه النقاط السبع واجب إسلامي.

 كما قدم أطروحة أخرى للحوار بين الأديان سماها نداء الإيمانيين وأطروحة أخرى للحضارات سماء نداء حوار الحضارات.

لقد اجتهد الرجل وقدم لأمة الإسلام خدمة ومنهجا واجتهادا يسميه أهل الحقيقة واجب الوقت.

الحديث:

قال صلى الله عليه وسلم:” يحمل هذا العلم من كل خلف عدُولُه ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين”

الخطبة الثانية

الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم

وبعد قال تعالى:” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ” صدق الله العظيم

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

في مجال الدعوة الأنصارية نذر الحبيب حياته لتحقيق هدفين مهمين هما: بلورة وترسيخ المدرسة الفكرية للأنصار، ونقل العمل من النظام الأبوي إلى العمل المؤسسي؛ فالمدرسة الفكرية بدأها بمقدمة كتاب العبادات وأصلها في يسألونك عن المهدية، وشرح متنها وحدد أصولها ومرتكزاتها في أيديولوجية المهدية، وعبدالرحمن الصادق إمام الدين، وخطبة العقيدة وغيرها من الكتب والرسائل والمنشورات التي حددت بوضوح طبيعة المدرسة الأنصارية المهدية حيث ميز بينها وبين المدارس الأخرى الشيعية والسنية والصوفية والفلسفية، وأكد أنها مدرسة سنية وظيفية اجتهادية وسطية توفق بين الأصل والعصر وتجديدية مؤصلة تستصحب الأصول وتتفاعل مع الحاضر وتتطلع لمستقبل له وفاء.

ونقل التنظيم الأنصاري من تنظيم أبوي يتبع لشخص الإمام ويخلط بين الشخصي والعام إلى مؤسسة يحكمها نظام أساسي وتقوم على أجهزة تشريعية ورقابية وتنفيذية تمارس عملها وفق عمل مدروس ومخطط له أهداف وتنظمه لوائح.

أحبابي في الله

 الإمامة في كيان الأنصار تمثل مرتكزا من مرتكزات الدعوة وقد حدد الدليل الأساسي لهيئة شؤون الأنصار الشروط التي يجب أن تتوفر في المهام والكيفية التي يختار بها. والإمام الراحل تم إختياره من المؤتمر العام في 19 ديسمبر 2002م وقد نص الدليل الأساسي في المادة (32 ) أن مجلس الحل والعقد يتولى مهام الإمام في حال غيبته. وستصدر الهيئة منشورا لكافة الأحباب الأنصار تبين فيه الإجراءات المتبعة لحين قيام المؤتمر. وعليه فإن الحبيب الإمام الصادق المهدي رحمه الله وطيب ثراه لم يغادر الدنيا حتى اطمأن على نضج المؤسسة وقدرتها على القيام بمسؤولياتها، وسوف تقوم الهيئة بكل أجهزتها على تفعيل نظامها وهياكلها لتواصل مسيرتها وأداء عملها إلى حين قيام المؤتمر العام الذي يقرر ما يراه إن شاء الله.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز:

تأكد للجميع أن الحبيب الإمام الصادق المهدي طيب الله ثراه كان أمة بعطائه وكان مدرسة متعددة الفصول وقد تبارى الكتاب والشعراء والصحفيون وغيرهم في الحديث عن مآثره كل من الزاوية التي يراها، وفي الواقع كان الحبيب ملهما وبلسما

قال عنه الحبيب محمد صالح مجذوب:

كلَّما ضِقنا صبرْ 

ورما حبالاً للنجاة

وإذا جَزِعْنا للخبر

خط ابتسامته وجاء

وكأنما خلف الحجاب أتته بشرى

طرد التشاؤم جملة

فأحال علقمنا لتمرة

رحم الله الحبيب الإمام ورضي عنه وطيب ثراه وجعل الفردوس الأعلى مقامه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

نعاهد الحبيب الإمام ونعاهدكم وقبل ذلك عهدنا مع الله أن الراية التي رفعها لن تسقط يإذن الله وأن الدعوة ستستمر وفق الخطة التي رسم معالمها تجديدا لعهد الأئمة وإمام المرسلين، وإننا على العهد باقون وعلى سكة رسول الله سائرون وبمنهج مهدي الله والأئمة من بعده مستمسكون وعلى معالم مدرسة إمامنا الراحل ماضون، تأصيلا واتباعا والتزاما بالمبادئ وتجديدا في الوسائل وصيانة لمشارع الحق حتى نلقى الله إن شاء الله.

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة التي ألقاها الأمير: عبدالمحمود أبو بمسجد الهجرة بودنوباوي بتاريخ: 19 ربيع الثاني 1442هـ الموافق:4ديسمبر 2020م

الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا، والصلاة والسلام على نبي الرحمة الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. 

أمابعد 

قال تعالى:” وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي  لاَ  يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ”

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

الصديق رضي الله عنه فأكد الوفاة قائلا:” من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لايموت”مستشهدا بقوله تعالى:” وَمَا  مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ” وحَسَمَ أمر الدفن بقوله يدفن في المكان الذي قبض فيه. 

واختلفوا في أمر الخلافة وبعد نقاش حَسَم الأمر عمر بن الخطاب بمبايعة أبي بكر وبايعه الناس، وبعد عصر الراشدين بل في عهد علي بن أبي طالب تجدد النزاع حول الخلافة وسالت دماء غزيرة بشأنها حتى قال الماوردي:” ماسُلَّ سيف على قاعدة دينية في الإسلام مثل ما سُلَّ في الإمامة العظمى” 

    أما الأمور المستجدة التي لم ينص عليها فالأحكام بشأنها تستنبط بالقياس والإجماع . وفي هذا الصدد نشأ موقفان على طرفي نقيض مع وجود مواقف متدرجة بينهما : أهل الحديث والظاهريون التزموا بالنصوص وبظاهر معانيها . والمعتزلة أخضعوا النصوص لتأويلات عقلية .

إن قضية إكتمال الدين وثبات النص وظهور المستجدات ومسألة الخلافة؛ قضايا فتحت الباب لحوارات ومناقشات جادة في الجسم الإسلامي ودفعت علماء المسلمين لاجتهادات متنوعة تتجدد كلما طرأت عوامل جديدة حتى يومنا هذا.

أحبابي في الله 

غادرنا الحبيب إلى دار الخلود في ظرف حرج تمر به بلادنا وأمتنا، وكان الحبيب يردد دائما أن المهدية نصرها متأخر وقد ظهر هذا النصر يوم تشييعه المهيب فقد شهد له الجميع بالصدق والحكمة وثاقب الرؤية، وبكته القلوب قبل الأعين وشعر الجميع بالفراغ الذي تركه.

إن رحيله آية وحدث كبير في مرحلة مفصلية من تاريخ بلادنا وكياننا وأمتنا

كأنما كان المتنبي يعنيه بقوله :

ماكنتُ أحسبُ قبل دفنك في الثرَى   

                          أن الكواكبَ في التراب تغورُ

ما كنتُ آمَلُ قبلَ نعشكَ أن أرَى     

                      رَضوَى على أيدي الرجالِ تسيرُ

خرجوا به ولكل باكٍ خَلْفَهُ           

                      صَعَقاتِ مُوسَى يومَ دُكَّ الطُّورُ

والشمسُ في كَبْدِ السماءِ مريضةٌ       

                             والأرضُ واجفةٌ تكادُ تمورُ

وحفيفُ أجنحةِ الملائكِ حولهُ   

                           وعيون أهلِ [البقعة] صورُ

حتى أتَوْا جَدَثًا كأنَّ ضريحَهُ       

                             في قلبِ كُلِّ مُوَحِّدٍ مَحْفُورُ

عندما تفتحت عيون الإمام الصادق المهدي على الحياة العامة وجد أمة الإسلام مواجهة بتحديات كبيرة؛ فكرية وثقافية وسياسية وغيرها.

إن أهم التحديات التي واجهت أمة الإسلام في القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين هي:

التحدي المفاهيمي: المتمثل في الفهم الشامل للإسلام وعلاقة الإسلام بالرسالات السابقة، والتوفيق بين الكتاب المقروء والكتاب المنظور، واستصحاب مصادر المعرفة كلها. 

التحدي الفكري: الذي فرضته المدارس الفكرية العلمانية والاشتراكية والرأسمالية والقومية وكل الأفكار التي تتبناها حركة الحداثة.

التحدي الثقافي: المتعلق بالفنون والرياضة وتحرير المرأة وثقافة الحوار وحقوق الإنسان.

التحدي السياسي: الخاص  بطبيعة الدولة والنظام السياسي والانتقال السلمي للسلطة والفصل بين السلطات والديمقراطية والشورى.

التحدي العلمي: الذي أبرزته الحرية الفكرية وحرية البحث العلمي والتطور العلمي والتكنلوجيا 

التحدي الدولي: المتمثل في النظام الدولي الذي على قمته الأمم المتحدة ومجالسها المتخصصة والمواثيق والمعاهدات الدولية ؛ هذه التحديات واجهت الفكر الإسلامي وشغلت العلماء والمفكرين وكان الإمام الصادق من أكثر الناس هما واجتهادا وعملا لمواجهة هذه التحديات؛ وفي الإطار الأنصاري وجد كيان الأنصار في أوج قوته تحت قيادة الإمام عبدالرحمن المهدي والإمام الصديق والإمام الهادي ثم رآه يتعرض لحملة انتقامية سعت لاستئصاله شارك فيها بنو جلدتنا بتدبير إقليمي، وبنظره الثاقب رأى أن مستقبل الكيان رهين ببلورة مدرسة فكرية واضحة المعالم وبقيام مؤسسة دعوية تتولى قيادة العمل الأنصاري في كل مجالاته.

لقد وظف الحبيب الإمام رضي الله عنه وطيب ثراه كل لحظة في حياته لمواجهة التحديات التي تواجه أمة الإسلام والتحديات التي تواجه كيان الأنصار؛ فجاهد واجتهد وحاور وناظر وحاضر ووظف كل طاقاته لبلورة مدرسة متكاملة تجيب على تساؤلات التحديات المعاصرة وترسم معالم الطريق لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. إن عناوين كتبه ورسائله وأطروحاته تبين حجم اهتمامه بما ذكرنا؛ فمن عناوين كتبه الآتي:

الصحوة الإسلامية ومستقبل الدعوة – مستقبل الإسلام في السودان – المنظور الإسلامي للتنمية الاقتصادية – الزكاة والنظام المالي في الإسلام – العقوبات الشرعية وموقعها من النظام الاجتماعي الإسلامي – جدلية الأصل والعصر – نظرة مستقبلية للإسلام في ظل النظام العالمي الجديد – المرأة وحقوقها الإنسانية والإسلامية – مفهوم الدولة في الإسلام – الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من منظور إسلامي – الإسلام والتحول الاجتماعي – التحدي العلماني الجذور والأبعاد – تحديات التسعينات – نحو مرجعية إسلامية متجددة؛ وغيرها من المؤلفات التي تبين حجم اهتمامه والدور الذي قام به في خدمة الإسلام والرد على الشبهات التي تثار حول تعاليمه، ولم يقف دوره عند الرد على الشبهات والاجابة على التساؤلات؛ بل كان يقدم البديل الذي يوفق بين المقاصد الشرعية والمصالح الإنسانية، أو مايسميه الواجب والواقع والمزاوجة بينهما.

وقدم أطروحة في هذا الصدد لكل المسلمين بعنوان نداء المهتدين يدعوهم فيها للاتفاق على رؤية مشتركة والعمل على أساسها لمواجهة التحديات التي تواجه الأمة وخلاصتها:

يا أهل القبلة تعالوا إلى كلمة سواء بيننا:

أولا: إن كتابنا واحد معلوم ومحفوظ النص، ورسولنا واحد معلوم السيرة والهوية. هذه من نعم الله علينا. كتاب الله وسنة رسول الله بين أيدينا. علينا أن نؤمن تماما بأن ما نلتزم به هو القطعي ورودا والقطعي دلالة من الكتاب والسنة. أما الظني ورودا والظني دلالة وما ليس فيه نص أصلا فأمور اجتهادية غير ملزمة لنا.

ثانيا: التعامل مع الآخر المذهبي الإسلامي يجب أن يقوم على الإيمان المشترك بالقطعيات والاعتراف المتبادل بالاجتهادات على أساس أن التقليد في الاجتهادات غير ملزم وأن القاعدة السنية من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فاخطأ فله أجر واحد.

ثالثا: هنالك عوامل مستجدة اختلف المسلمون حول كيفية التعامل معها:

وعصرنا الحالي يمتاز بإلغاء المكان عن طريق المواصلات، وإلغاء الزمان عن طرق الاتصالات مما يتيح لنا وسائل افضل في التعامل مع هذه القضايا. الأسلوب الأمثل هو تحديد هيئة أو هيئات فنية ذات معرفة وتخصص في كل المجالات ذات دور استشاري. واتخاذ هيئة أو هيئات تشريعية ذات تفويض شعبي للتداول بشأن المستجدات واتخاذ قرار بشأنها.

رابعا: ينبغي أن نحدد أساسا واضحا للتعامل مع الآخر الملي في أوطاننا. إنهم وجدوا معنا في هذه الأوطان واستمروا فيها باختيارهم، وإن هذا الموقف أكسبهم موقف أهل العهد –عهد المواطنة-

خامسا: النظام الدولي الحالي يقوم على أساس العهد الذي يقوم عليه نظام الأمم المتحدة. إنه نظام بالنسبة للمسلمين يعتمد على مرجعية إسلامية أساسية هي: “وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا”[الإسراء:34] و  “لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ..”[الممتحنة:8] 

سادسا: هنالك منجزات حققها الغرب لا تتعارض مع أصول مبادئنا الإسلامية، ولكن الفضل في تحقيقها وتكوين مؤسسات لاستدامتها يرجع للحضارة الغربية في المقام الأول. تلك المنجزات ينبغي أن نستصحبها دون أدنى حرج، وأن نحدد مرابطها في مقاصد الشريعة الإسلامية؛ تلك المنجزات هي : الحرية الفكرية وحرية البحث العلمي والتكنولوجي، والنظام السياسي الذي يقوم على رضا المحكومين ومساءلة الحكام ويحقق التداول السلمي للسلطة والخضوع العسكري للشرعية الدستورية. والنظام الاقتصادي الذي يقوم على آلية السوق الحر لا سيما في مجال الاستثمار والإنتاج والتبادل التجاري. والالتزام بحقوق الإنسان على أساس أن الله كرمه وأوجب له حقوقا مقدسة.. وحقوق الإنسان في الإسلام تمتاز على غيرها لأنها تستمد من جذور روحية وخلقية وتستوجب جزاءا أخرويا. وتحرير المرأة التي جعلها الله شقيقة الرجل وساوى بينهما إنسانيا وإيمانيا.

سابعا: الجهاد هو ذروة سنام الإسلام. والجهاد هو رهبانية أمة محمد (ص). والجهاد ماض إلى قيام الساعة. إن مادة جهد هي أساس الصلاح والفلاح والنجاح في كل مجالات الحياة. المطلوب تصحيح مفهوم الجهاد للتمييز بينه وبين العنف العشوائي والإرهاب. 

إن اتحاد الفهم بين كافة أهل القبلة حول هذه النقاط السبع واجب إسلامي.

 كما قدم أطروحة أخرى للحوار بين الأديان سماها نداء الإيمانيين وأطروحة أخرى للحضارات سماء نداء حوار الحضارات.

لقد اجتهد الرجل وقدم لأمة الإسلام خدمة ومنهجا واجتهادا يسميه أهل الحقيقة واجب الوقت.

الحديث:

قال صلى الله عليه وسلم:” يحمل هذا العلم من كل خلف عدُولُه ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين”

الخطبة الثانية

الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم 

وبعد قال تعالى:” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ” صدق الله العظيم 

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

في مجال الدعوة الأنصارية نذر الحبيب حياته لتحقيق هدفين مهمين هما: بلورة وترسيخ المدرسة الفكرية للأنصار، ونقل العمل من النظام الأبوي إلى العمل المؤسسي؛ فالمدرسة الفكرية بدأها بمقدمة كتاب العبادات وأصلها في يسألونك عن المهدية، وشرح متنها وحدد أصولها ومرتكزاتها في أيديولوجية المهدية، وعبدالرحمن الصادق إمام الدين، وخطبة العقيدة وغيرها من الكتب والرسائل والمنشورات التي حددت بوضوح طبيعة المدرسة الأنصارية المهدية حيث ميز بينها وبين المدارس الأخرى الشيعية والسنية والصوفية والفلسفية، وأكد أنها مدرسة سنية وظيفية اجتهادية وسطية توفق بين الأصل والعصر وتجديدية مؤصلة تستصحب الأصول وتتفاعل مع الحاضر وتتطلع لمستقبل له وفاء.

ونقل التنظيم الأنصاري من تنظيم أبوي يتبع لشخص الإمام ويخلط بين الشخصي والعام إلى مؤسسة يحكمها نظام أساسي وتقوم على أجهزة تشريعية ورقابية وتنفيذية تمارس عملها وفق عمل مدروس ومخطط له أهداف وتنظمه لوائح.

أحبابي في الله 

 الإمامة في كيان الأنصار تمثل مرتكزا من مرتكزات الدعوة وقد حدد الدليل الأساسي لهيئة شؤون الأنصار الشروط التي يجب أن تتوفر في المهام والكيفية التي يختار بها. والإمام الراحل تم إختياره من المؤتمر العام في 19 ديسمبر 2002م وقد نص الدليل الأساسي في المادة (32 ) أن مجلس الحل والعقد يتولى مهام الإمام في حال غيبته. وستصدر الهيئة منشورا لكافة الأحباب الأنصار تبين فيه الإجراءات المتبعة لحين قيام المؤتمر. وعليه فإن الحبيب الإمام الصادق المهدي رحمه الله وطيب ثراه لم يغادر الدنيا حتى اطمأن على نضج المؤسسة وقدرتها على القيام بمسؤولياتها، وسوف تقوم الهيئة بكل أجهزتها على تفعيل نظامها وهياكلها لتواصل مسيرتها وأداء عملها إلى حين قيام المؤتمر العام الذي يقرر ما يراه إن شاء الله.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز:

تأكد للجميع أن الحبيب الإمام الصادق المهدي طيب الله ثراه كان أمة بعطائه وكان مدرسة متعددة الفصول وقد تبارى الكتاب والشعراء والصحفيون وغيرهم في الحديث عن مآثره كل من الزاوية التي يراها، وفي الواقع كان الحبيب ملهما وبلسما 

قال عنه الحبيب محمد صالح مجذوب:

كلَّما ضِقنا صبرْ  

ورما حبالاً للنجاة

وإذا جَزِعْنا للخبر 

خط ابتسامته وجاء

وكأنما خلف الحجاب أتته بشرى

طرد التشاؤم جملة 

فأحال علقمنا لتمرة

رحم الله الحبيب الإمام ورضي عنه وطيب ثراه وجعل الفردوس الأعلى مقامه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز 

نعاهد الحبيب الإمام ونعاهدكم وقبل ذلك عهدنا مع الله أن الراية التي رفعها لن تسقط يإذن الله وأن الدعوة ستستمر وفق الخطة التي رسم معالمها تجديدا لعهد الأئمة وإمام المرسلين، وإننا على العهد باقون وعلى سكة رسول الله سائرون وبمنهج مهدي الله والأئمة من بعده مستمسكون وعلى معالم مدرسة إمامنا الراحل ماضون، تأصيلا واتباعا والتزاما بالمبادئ وتجديدا في الوسائل وصيانة لمشارع الحق حتى نلقى الله إن شاء الله.

أعوذ بالله من الشيطن الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة الجمعة غرة ذي الحجة 1440هـ – بمسجد الهجرة بودنوباوي

تقديم الأمير: عبدالمحمود أبّو

الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافي إحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،  له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله جاء بالحق شاهدا ومبشرا ونذيرا، صلوات ربي وتسليماته عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وبعد

قال تعالى:” الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ وَمَا  تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ” صدق الله العظيم

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز:

هذه الآية الكريمة بينت مقاصد الحج المتمثلة في تقوى الله وتهذيب النفس والتحلي بمكارم الأخلاق؛ فكل العبادات تترتب عليها مقاصد اجتماعية ومقاصد روحية؛ فشهادة التوحيد تَحَرُّرٌ من الشرك ومن كل أنواع الرق والعبودية لغير الله، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والزكاة تطهيرٌ للنفس من الشح والبخل وتحقيقٌ للتكافل الاجتماعي، والصوم كسرٌ لسلطان العادة وتدريبٌ على الصبر وإحساسٌ بألم الحرمان من الطعام والشراب تقوية للشعور بآلام المحرومين، والحج تجردٌ من زينة الفانية وإخلاصُ النية في جميع المناسك” لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ”.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

الإنسان مخلوق مكرم ومستخلف ومسئول عن أعماله لينال الجزاء المستحق، قال تعالى:” وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى  وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى  ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاءَ الأَوْفَى وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ المُنتَهَى” إن أمانة التكليف التي حملها الإنسان تقتضي الوعي بثلاثة مفاهيم هي: الاستخلاف والتزكية والاستقامة، إنها مفاهيم تقوم عليها عمارة الكون.

فالاستخلاف: من المفاهيم المحورية في الإسلام لأنه يؤطر حركة الإنسان باعتباره خليفة في الحياة؛ فالمُسْتَخْلِف هو الله سبحانه وتعالى، والمستخلَف هو الإنسان وأخوه الإنسان، والمستخلَف عليه هو الأرض وما عليها ومن عليها؛ والإنسان في مفهوم الاستخلاف عابد مسؤول، مستحضر على الدوام لإرادة الله وقدرته، وهو سيد في الكون بعمارته، لا سيد عليه بالاستعلاء والتسلط والقهر. وخلافة الإنسان في الكون خلافة اقتدائية غايتها العبادة وفق مراد الله وحده في أمره ونهية قال تعالى: ”  أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ” ووفقا لمفهوم الاستخلاف فإن سعي الإنسان في الأرض سعيٌ حيٌّ يستعين بالتوفيق الإلهي والعون الرباني؛ والسعيُ الحيُّ حركة مسؤولة إما ثوابا وإما عقابا باتجاه الكون والإنسان والحيوان والحياة. قال تعالى: ” مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”

والمفهوم الثاني: هو التزكية؛ إنه مفهوم يستجمع معاني النمو والخيرية معا؛ فالتزكية تخلية من الرذائل وتحلية بالفضائل،بما يستوجب للنفس الصلاح في الدنيا والفلاح في الآخرة، ويقابلها التَّدْسِية ومفهوم التدسية قائم على الخفاء والإغواء والإفساد للنفس قال تعالى:” وَنَفْسٍ وَمَا  سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا  وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا” إن مفهوم التزكية يؤدي إلى كمال التَّخَلُّق ومعناه تحسين الخلق مع الله بأن تعلم أن كل ما يأتي منك يوجب اعتذارا وكل ما يأتي منه سبحانه وتعالى يوجب شكرا؛ وتحسين الخُلْق مع الخَلْق،وذلك ببذل المعروف لهم وكف الأذى عنهم، وهذا يقتضي “أمن الخلق منك، ومحبة الخلق لك،ونجاة الخلق بك”.  عن ابن عمر رضي الله عنهما:أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهرا, ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام”.

المفهوم الثالث: الاستقامة: وهو مفهوم يقصد به مراعاة البعد الإيماني في عمارة الكون؛ يقول الطاهر بن عاشور: “إن من أكبر مقاصد الشريعة الانتفاع بالثروة العامة بين أفراد الأمة على وجوه جامعة بين رعي المنفعة العامة ، ورعي الوجدان الخاص ، وذلك بمراعاة العدل مع الذي كد لجمع المال وكسبه، ومراعاة الإحسان للذي بطَّأ به جهده . وهذا المقصد من أشرف المقاصد التشريعية”.

إن وظيفة الاستخلاف التي كرم الله بها الإنسان تهدف إلى صلاح الدنيا وفلاح الآخرة وفق المنهج العادل والحكيم الذي شرعه الخالق سبحانه وتعالى، وهو منهج  ملائم للفطرة ومستجيب لمطالبها، ومُوَفِّق بين الثنائيات التي شغلت العقل الإنساني منذ القدم.  قال صلى الله عليه وسلم : ” ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه ، حتى يصيب منهماجميعا؛ فإن الدنيا بلاغ إلى الآخرة،ولا تكونوا كلا على الناس” قال الإمام الزمخشري: “كل أي ثقل وعيال على من يلي أمره ويعوله” فلا ينبغي للمؤمن أن يترك عمارة الأرض فيصبح عالة على غيره، متكلا عليه عاجزا عن نفع نفسه ، متكاسلا في صنع حياته ومستقبله، منزويا منكفئا على نفسه، فيتغلب عليه الغير. فالرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك حيث قال” والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خيرٌ له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه”.

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

إن مفهوم الاستخلاف في الإسلام يوجب على الإنسان أن يكون إيجابيا في حركة الحياة،يعمل للاصلاح ويمتنع عن الفساد والافساد، وكل عمل يقوم به المسلم إذا كان مشروعا يؤجر عليه ويتحول من العادة إلى العبادة بحسب النية والشرعية؛ بل ذكر الإمام محمد بن الحسن الشيباني أن عمر بن الخطاب كان يقدم درجة الكسب على درجة الجهاد، فيقول: لأن أموت بين شعبتي رحلي أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله أحب إلي من أن أقتل مجاهدا في سبيل الله؛لأن الله قدم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله على المجاهدين بقوله تعالى: “ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ”.

لقد حدث إنحر اف في مفاهيم المسلمين أدى إلى تعطيل السعي في الأرض وقصر العمل الصالح في الشعائر الدينية فكانت النتيجة حالة التخلف التي تعيشها أمتنا وعجزها عن القيام بدورها في الشهود الحضاري الذي به نالت الخيرية؛ مع أن التوجيه النبوي واضحا في قوله:” إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل، وفي رواية فليغرسها”.

إن الفصل بين العمل الدنيوي والعمل الأخروي أدى إلى انحراف في المفاهيم وإنفصام بين الشعائر والسلوك فأورث كثيرا من المتدينين الانفصام وأوردهم موارد الإفلاس.

الحديث:

قال صلى الله عليه وسلم: ” أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة  بصلاة وصيام وزكا، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته’ فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار” رواه مسلم أوكما قال يغفر الله لي ولكم وللمسلمين أجمعين.

الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله مع التسليم

وبعد

قال تعالى:”  وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ  أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ  فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُم مِّنَ العِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ  فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ  فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكَافِرُونَ” صدق الله العظيم

أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز

إن انتصار ثورة السودان في 11 أبريل فاجأ كثيرا من الناس منهم  العدو ومنهم الصديق؛ وأول من فوجئ بذلك كانوا سدنة نظام الانقاذ، فدخلهم الرعب والخوف من المصير الذي ينتظرهم عقابا على جرائمهم في حق الوطن والمواطن، ولكن التأخير في تكوين الحكومة الانتقالية،- لأسباب معلومة – فتح الباب للثورة المضادة فقامت بتعكير المناخ السياسي والاجتماعي في السودان؛ إن فض الإعتصام بالطريقة  البشعة، والاستقواء بعناصر لا علاقة لها بالثورة، والتصعيد المتبادل، وإعلان تقرير لجنة تقصي الحقائق من طرف واحد، وقتل التلاميذ الأبرياء في مدينة الأبيض؛ كل ذلك شوه المناخ السياسي السوداني، وأحدث إضطرابا مقلقا في نفوس المواطنين.

إن نعمة الأمن من أكبر الضرورات التي كفلها الله للإنسان؛ بل جعلها من النعم التي تستوجب العبادة له؛ قال تعالى:” فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا البَيْتِ  الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ”. إن استسهال قتل النفس بالصورة البشعة التي شاهدناها في فض الإعتصام وفي مظاهرات التلاميذ السلمية في الأبيض؛ يوجب المراجعة العاجلة لعقيدة القوات التي تحمل السلاح؛ فحمل السلاح يتم بموجب القانون الذي يحصره في جهة محددة، مهمتها حماية المواطن لا قتل النفس البريئة، إن إعادة النظر في عقيدة القوات التي تحمل السلاح واجب وطني ملح؛  وذلك لصياغة عقيدة تلتزم بصيانة كرامة الإنسان وحماية حرياته الأساسية ومنها حقه في التعبير السلمي.

إننا ندين بشدة قتل المدنيين الأبرياء ونحمل المجلس العسكري مسئولية حماية المواطنين لأنه يتولى السلطة الآن بحكم الأمر الواقع إلى حين تشكيل الحكومة الإنتقالية.

على أصحاب المصلحة أن يدركوا أن خصوم الثورة لن يهدأ لهم بال حتى يجهضوا كل المساعي الجارية للانتقال من حالة الفوضى الحالية لحالة الإستقرار، مما يوجب عليهم الإسراع في الاتفاق على الوثيقة الدستورية وبعدها تشكيل الحكومة الانتقالية لتتولى أمر البلاد وتعمل بجدية لتحقيق أهداف الثورة.

إن التأخير في تكوين الحكومة الانتقالية المتوافق عليها يرشح البلاد للانزلاق نحو الهاوية ويفتح الباب لكل الاحتمالات التي لا تحمد عقباها؛ أمام المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير مسئولية تاريخية لإيقاف هذا العبث بأرواح المواطنين وتجنيب بلادنا مصير بلدان رأينا عاقبة أمرها خسرا.

اللهم وفق أهل السودان للعبور الآمن ببلادنا لما مصلحة البلاد والعباد.

وسوف نصلي صلاة الغائب عقب الصلاة على شهداء مدينة الأبيض نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة

خطبة الجمعة الواعدة 

الإمام الصادق المهدى

فى

خطبة الجمعة الواعدة                              

التاريخ 23\2\2001

اطوار الدعوة المتجددة

معالم الطريق الوسطى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الولى الكريم والصلاة على محمد وآله وصحبه مع التسليم وبعد,

قال تعالى : إتقو الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به: الدعوة المهديه فى السودان اتصفت بالتقوى وإخلاص النية واستمدت بهذا النور الإلهى لذلك وصفها المحايدون بالتقوى والإخلاص للمبدأ والتفانى فى سبيله والتجرد لتحقيقه.

فاستحقت الوعد الإلهى ان تنصروا الله بينصركم ويثبت أقدامكم. لقد كانت مخاطبة الدعوة للآخرين واضحة المعالم قوية العبارة واثقة بالله وبأهدافها العليا واثقة فى نفسها ومتطلعة للوعد الحق.

ولكن أعداءها أبوا وأعرضوا وأصروا واستكبروا فوقعت معارك القتال ابتداء من واقعة أبا وتتالت الواقعات: راشد والشلالى وشيكان واتصلت حتى الخرطوم وصد القواة البريطانية واتسعت فشملت غرب البلاد, وشرقها ,وجنوبها. وكانت الدعوة منتصرة فى كل تلك المعارك نصرا مبينا.

واستمرت هذه الانتصارات حتى أتى العدو بأسلحة حديثة فاقت كل المعهود. استطاعت ان تحطم الأبنية المادية القتالية للمهدية. وكما قال ونستون تشرشل المراسل الصحفى المصاحب لجيش الغزاة فى كل ذلك الوقت ما هزمناهم ولكن حطمنا إمكاناتهم المادية بقوة السلاح. ولكن القائمين بأمر الدعوة الذين واجهوا هذا التفوق المادى لم يستسلموا وفضلوا الشهادة على الأسروالاستسلام. هكذا ماتو كانخيل واقفين.

إن النجاح المنقطع النظير ثم الثبات المنقطع النظير كانا هما سر بقاء الدعوة حتى بعد سقوط الدولة.

لقد كانت الدعوة المهدية فى القرن الماضى استجابة لتطلعات أهل القبلة كما قال الشيخ أحمد العوام أحد قادة الثورة الوطنية المصرية العرابية. كان هذا الرجل منفيا فى الخرطوم بعد هزيمة ثورة عرابى وكتب رسالة وجهها للمسلمين قال فيها : ان حال الإسلام يتطلب أن ينهض ناهض بأمر الدين فنسأل الله أن يمكن لنا ديننا الذى ارتضاه لنا وفاء لصادق وعده وتصديقا لحديث نبيه, سواء كان بلإمام المهدى هذا عليه السلام الذى ظهرت كواكبه ولاحت بوارقه أو بغيره من عباده الصالحين. وفى نهاية الرسالة وحه نداء للمسلمين لتأييد الدعوة.

وقال د. عبد الودود شلبى فى كتابه عن الأصول الفكرية للدعوة المهدية فى السةدان جسدت كل تطلعات أهل القبلة فى زمانها. قد صادفت الدعوة ظروف التمدد الاستعمارى الغربى فى الشرق والجنوب وقاومته ما استطاعت وفى النهاية وبعد مقاومة مجيدة هزمت دولتها حتى ظن أعداؤها أنهم قد قضوا عليها قضاءا نهائيا. قال كتشنر: المهدى , وخليفة المهدى, وراتب المهدى قد دفنوا ومن أراد إحياءهم فسوف ندفنه معهم ” وقال “ونجحت” فى برقية لزوجته بعد انتصاره فى أم دبيكرات : ” بشرانا فقد قضينا على المهديه “.

نعم زالت الدولة ولكن بقيت الدعوة لتشهد بعثا جديدا وتحقيق جولة ثانية.

أحبائى فى الله واخوانى فى الوطن العزيز.

فى بداية القرن العشرين وأمام التمدد الاستعمارى فى كل البلدان الإسلامية اختلف المسلمونبين نهجين: نهج اعتبر الإسلام هو عائق النهضة وأن الحضارة الغربية هى النهضة لذلك ينبغى التخلى عن فرائض الدين الاحتماعية وعن التراث واتباع الغرب. هذا النهج قال به كثيرون وكان أقوى مناصريه الزعيم التركى مصطفى كمال اتاتورك.

  • ونهج مناقض له تمترس فيه العقيدة والتراث واعتبر ان علينا إحياء الماضى المجيد ورفض الوافد الغربى بحزم شديد هذا النهج عبرت عنه بصورة مختلفة المدارس الفلسفية.

هذان النهجان كانا على طرفى نقيض رآى ثالث قال به عدد من المفكرين الإسلاميين والعلماء أمثال: خير الدين التونسى, والطهطاوى المصرى, وجمال الدين الأفغانى,ومحمد عبده المصرى. هؤلاء دعوا الى التوفيق بين التقدم الدولى والخلقى الإسلامى والتقدم المادى الاورباوى هذا التطلع الذى عبر عنه الكثيرون, جسده نهج الإمام عبد الرحمن الصادق فى السودان جسده برؤية اسلامية واضحة مستصحبة للعصر الحديث وحققه بصورة عملية.

لقد لحقت بأسلوب الإمام عبد الرحمن الحكيم هذا شبهات علقت بذهن بعض الأنصار فقال قائلهم كيف نبدل ما عملناه يقينا من أقوال وأفعال الإمام المهدى؟ كان الرد القاطع على هؤلاء ان دعوة المهدى نفسها تخلصت من الالتزام باجتهادات الأقدمين وفتحت الباب للحركة فى الفقه على أوسع نطاق واستدعت لاستيعاب المستجدات بالمقولة الواضحة التى اطلقها الإمام المهدى ” لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال”.

وعلقت بأسلوب الإمام عبد الرحمن شبهات المهادنة للاستعمار بينما كان نهجه هو استخدام أسلوب الحكيم لاستخلاص حقوق الشعب السودانى المشروعة. وفى هذا الصدد فإنه أبقى على جوهر  الدعوة المهدية فى سلامة العبادات وروح الجهاد والزهد. أما روح الجهاد فقد وظفها للجهاد بالمال والفكر لا بالقتال. وأما الزهد فجعله فى القلب بلا ركون للماديات ولكن بلا استغناء عنها بل بجلبها وجعلها فى اليد وتوظيفها للإهداف العليا, هذا الأسلوب حير المستعمرين وخفى على حساباتهم.

قال المؤرخ السودانى المرموق إبراهيم حسن أحمد فى مقدمة كتابه عن الإمام عبد الرحمن أنه من بيئة ترمى الإمام عبد الرحمن بالمداهنة والتنصل عن المصالح الوطنية العليا. وأنه نقب فى الوثائق التاريخية ليوثق هذه الإدلنة ولكنه بعد البحث فيها تأكد له العكس تماما واكتشف ان الإمام عبد الرحمن حقق المصالح الوطنية باسلوب مبتكر لذلك وصفه بأنه أهم شخصية أنجبها السودان فى القرن العشرين.

أحبابى فى الله واخوانى فى الوطن العزيز.

نحن اليوم بصدد مرحلة جديدة علينا فيها ان نتعامل مع عوامل هامة أخص منها بالذكر.

  • العولمة وما توجبه من انفتاح على عالم تكمش حتى صار قرية والمحافظة على هويات دينية وثقافية ومصالح قطرية وإقليمية.
  • الموقف من شرعية الحكم القائمة على تداول سلمى للسلطة ومحافظة على حقوق الإنسان والحريات العامة.
  • تعامل المجموعات الوطنية المختلفة بصورة تحقق وحدة المواطنة وتكفل حقوق المجموعات الوطنية الدينية والثقافية.
  • التعامل مع المحيط الدولى بصورة تحقق السلام الدولى والتعاون الدولى. هذه القضايا تناولها العلماء والمفكرون الإسلاميون وأتوا باجتهادات كثيرة.
  • على خليفة الكوارى لاحظ ان التيارات الفكرية فى الوطن العربى تحررت من فكرة التناقض بين الديمقراطية والشورى وصارت تدرك أن الديمقراطية منهج حكم وليست عقيدة مما يسهل قبولها وإزالة التناقض بينها وبين الشورى.
  • برهان غليون دافع عن امكانية نقل التكنولوجيا الغربية وكذلك الفكر السياسى الديمقراطى دون تخل عن الاصالة.
  • إلى ذلك ذهب كثيرون مثل محمد جابر الأنصارى مع ملاحظة نقل التكنولوجيا وصعوبة استصحاب النظام الديمقراطى.
  • السيد جمال البنا يقود جملة تنوير لا تنقطع حول أهمية الحرية وتطوير الفقه فى هذا العصر لاستيعاب المستجدات بوضوح وجرأة.
  • ومنذ مؤتمر المجلس الإسلامى العالمى فى باريس 1981 فى قاعات “اليونسكو” تواتر الحديث عن حقوق الإنسان من منظور إسلامى.

وعلى هذا النمط تواترت دراسات عديدة تنفى التناقض بين الإسلام والحريات العامة وحقوق الإنسان- مثلا المؤتمر القومى الإسلامى فى بيروت عام 2000 .

  • وقدم محمد عمارة دراسة جادة تؤكد ان حقوق الانسان فى الإسلام واجبات بما يطيعها وزنا أكبر.

لقد صدرت طائفة من الدراسات والكتب والإصدارات وكان هدفها الرئيسى هو تجسيد هذه التطلعات فى منظومة فكرية قوية الحجة تختلف من الأعمال والآنشطة المذكورة بأمرين الأول الإحاطة والثانى الاستناد الى قاعدة شعبية عريضة.

هكذا فان دعوتنا فى طورها الثالث إنما تجسد تطلعات أهل القبلة فى القبلة فى القرن الواحد والعشرين. بل إنه نهج يمنح مخرجا من التأزم السياسى الذى تعانى منه كثير من البلدان فى عالمنا العربى, والإسلامى, والأفريقى.

ففى كثير من البلدان تقوم نظم الحكم على منع التغييير. انها نظم مبنية على السكون. وفى المقابل توجد حركات معارضة متجهة نحو الإطاحه بتلك النظم.

هكذا تشقى البلدان والشعوب بين نظم ترفض التغيير ومعارضات تهدف للإطاحة إن نهجنا الآن هو زحزحة موقف المعارضة لقبول التحول السياسى.اننا بصدد موقف جديد يتخذ التفاوض الجاد, والتعبئة السياسية, والبلوماسية, والحجة الفكرية.. وسائل لتحقيق الشعب المشروعة فى السلام العادل والتحول الديمقراطى. انه نهج يحقق مخرجا من الإزمة ومن المعادلة العقيمة بين نظام يرفض التغيير, ومعارضة مبنية على الإطاحة.

إن نجاحنا فى هذا المسعى إنما يحقق مخرجا من الأزمة ويشكل ثورة للآخرين.

 إن المرافعة لدعوتنا بالأسس العقلانية تؤكد انها استطاعت ان تقدم نهجا استجاب لتطلعات السودانيين والمسلمين فى الظروف المختلفة بصورة فعالة جسدت تلك التطلعات وحققتها فى الواقع.

هذه الحقيقة العقلية تؤكد مقولة غيبية قالها الإمام المهدى إذ قال: فى مستقبل الأيام تكون لنا كرامة تفوق ما نحن فيه الآن من توفيق. هذا القبس هو الذى جعل هذه العوة تحيا بعد ان تموت كما قيل عن طائر العنقاء الذى يحرق ثم يبعث من رماده حيا. فكأنما الشاعر وصفها بقوله: كم قتلت وكم قتلت وكم قدمت عنكم.

ثم انتفضت فزال الغبر والكفئ.

إن هذه الدعوة ذات شاب مستمر وذات دور متجدد وذات انبعاث بعد موت قبس من نور “الله” ويجعل لكم نورا تمشون به. قال النبى ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ اتقو فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله. وقال استغفروا الله ان الله يغفر الذنوب جميعا.  

الخطبة الثانية

الحمد لله الولى الكريم والصلاة على محمد وآله وصحبه ومع التسليم وبعد.. قال تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا.

وقال النبى﴿صلى الله عليه وسلم﴾ خير الأمور أوسطها. وكان النبى ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم.

إن تجربة الإنسانية تطابق هذه الحقائق المنزلة. قال سقراط الفضيلة وسط بين رذيلتين وقال الحكيم العربى: كلا طرفى قصد السبيل ذميم!

أحبابى فى الله واخوانى فى الوطن العزيز.

فى الأسبوع الماضى تناول حزبنا تحديد موقفه من نتائج الحوار الجاد مع النظام الحاكم. وبعد تداول مسئول احترام فيه المتحدثون عقول الآخرين اتخذ الحزب قرار بالاجماع. انه قرار جسد إرادة قاعدة الحزب العريضه كما جسد إرادة الشعب السودانى.

كتبت لى السيدة زينب حسين مذكرة فى ختام جلستنا قالت: أحد أفراد حزب الأمة المؤيدين للمشاركة فى النظام سافر… وقبل سفره اتفق معى ان ابلغه نتائج المداولات فإنه كان القرار بالمشاركة أقول جابت ولد. وان كان بعدمها أقول له جابت بنت.

بعد القرار سوف أقول له قد جابت تيمان ولد وبنت!!

أحبابى فى الله واخوانى فى الوطن الغزيز.

الحزب آلية العمل المشترك, وللمشاركة بين عناصره, ولتحديد السياسات البديلة, ولاقرار السياسات التى تعبر عن مثل ومصالح مؤيدية وتخاطب الرأى العام العريض فى إطار التنافس بين الاجتهادات الحزبية.

بهذا المنطلق نحن كونا حزبا سياسيا ذا جدوى وكان الرقم المعارض الأول لكل دكتاتورية. والرقم الانتخابى الأول فى كل انتخابات عامة.

ساهم فى تحقيق ذلك:

  • قاعدة شعبية صلبة.
  • استرتيجية فكرية وسياسية واضحة ومرنة لاستيعاب المستجدات.
  • قيادة مؤهلة ومتطورة.
  • رهان على الكرامة والحريات. وبينما حطم الآخرين الرهان على الدكتاتةرية: اليسار واليمين.

هذه الإنجازات ينبغى ألا تدفع بنا إلى الغرور ونفى الآخر وشعار” البلد بلدنا ونحن أسيادها ” البلد بلد كل أهله ونحن منهم. والشعار الصحيح هو شعارنا القديم: ” السودان للسودانيين “.

لقد تعلمنا كثيرا من النقاش الذى دار فى أجهزة حزب الأمة القيادية: المجلس القيادى والمكتب السياسى. واقول: كان المستوى 7.5/10 Credit وكان البعض يقول لى ملاحظات تعلى من شأن هذا المكتب او العكس. المعلوم, لم يأت أيهما بالتعيين, وانما بوسائل اختيارية دون الانتخاب المباشر. والمدهش حقا التطابق التام بين المواقف, والحجج, والمستوى لدرجة تؤكد أمرين:

أولها: سلامة إجراءات الاختيار.

ثانيها: صحة التكوين كمرآة للقاعدة الشعبية.

أربعة حجج أود التعليق عليها:

الأولى: من رماة قبح النظام فى حسن الظن بالمعارضة الحالية.

الثانية: من رماة قبح النظام فى حسن الظن فى النظام.

الثالثة: من احتج بضعفنا وقلة حيلتنا. نعم تنقصنا بعض المعدات ولكننا أقوياء بكل المقاييس.

الرابعة: من احتج بأننا إما ان نشارك الآن وإما ان نستعد للقتال.

هذا التصور غير صحيح وفى الحالات الأربعة الانطلاق منه معناه الإعدام السياسى لحزبنا.

هناك حقائق يجب ان ندركها:

  • النظام قوى الأجهزة ضعيف الحجة فكريا وسياسيا.
    • المعارضة ضعيفة الأجهزة قوية الحجة سياسيا.

حزب الأمة وهو يتناول هذا الموضوع الهام انما: يستوحى دوره التاريخى ورهانه الديمقراطى وخطابه للرأى العام الداخلى والخارجى وانما يواصل استعداده لاداء رسالته.

هناك فى الموقف السياسى الحالى مرتكزات يجب ان نستصحبها هى:

أولا: لقد نقلنا البلاد إلى خيار سلمى وجعلناه المهيمن على الساحة السياسية. إنه طفلنا الذى يحتم علينا الواجب الوطنى والحزبى ان نرعاه.

ثانيا: الخيار السلمى يمر عبر التفاوض. والتفاوض الناجح محطته المركزية الاتفاق ثم التعاون.

ثالثا: ينبغى ان نرعى إلا يكون فى موقفنا شبهة انخراط فى ” الإنقاذ ” لابد فى هذا إعداما لنا ولرهائننا التاريخى.

رابعا: ينبغى أن نراى ألا يكون فى موقفنا تطابق مع الأجندة الحربية.

خامسا: ينبغى ان نراعى ألا يكون فى موقفنا توجه نحو المربع الأول لأننا ولأسباب وطنية- لا لضعفنا – يجب ان نعمل لتحول ديمقراطى سياسى مرتب لا بوسيلة الانفجار لان فى السودان الآن شحنات بارود حسا ومعنى يؤدى الانفجار معها لصوملة السودان ويفتح باب فتنة اثنية تمزق البلاد.

انطلاقا من هذه المقدمة علينا أن نعمل بالتفاوض الجاد والتعبئة والحوار مع كافة الأطراف بما فيها النظام النظام لتحقيق الحل السياسى الشامل.

وأن يكون البرنامج السياسى الذى نتفق عليه مع النظام واضح المعالم فى:

  • تحقيق التحول الديمقراطى.
  • تحقيق السلام العادل.
  • بناء دولة الوطن على أساس قومى.
  • خدمة مصالح الجماهير.

انطلاقا من هذه المعانى. ولقد تداول المكتب السياسى وثائق التفاوض مع النظام عبر ثلاث جلسات تحدث فيها كل الأعضاء بوضوح وموضوعية. وسبق ان تداول المكتب نفس الأمر, وناقش كافة الآراء بصراحة وجدية ثم تقدم الرئيس بإقتراح أجازة المجلس بالإجماع. وبعد تداول المكتب السياسى عدل الرئيس  بعض ما جاء فى قرار المجلس القيادى لأخذ مساهمات المكتب السياسى فى الحسبان, وقدم الاقتراح الآتى: المكتب السياسى تداول الرأى حول مشروع الاتفاق المتفاهم عليه من الطرفين وقدر مجهود فريقنا المفاوض وطالب بالآتى:

أولا: ضرورة إضافة التوضيحات الآتية عبر مزيد من التفاوض:

  1. المبادئ المذكورة واردة بصورة معممة ينبغى توضيحها بما ورد فى الملاحق لإزالة الغموض.
  2. يوضح موضوع الدستور باننا سوف نعيد كتابته بعد اتفاقية السلام وان التعديلات المذكورة للمرحلة.
  3. نظام رئيسى على النمط الفرنسى.
  4. الاقتصاد يذكر: القومية – الحياد – رفع المعاناة – الخدمات – الرعاية الاجتماعية.
  5. القوانين المقيدة للحريات والمراجعات تذكر.
  6. استقلال الجامعات وليس الأكاديمى.
  7. موضوع المظالم لم ينص عليه كما فى نداء الوطن.

هذا النص وتعديلاته يدعى البرنامج الوطنى ويوقع عليه.

ثانيا: هناك قضايا وطنية تعلو على المصالح الذاتية والحزبية وتوجب التضامن من أجلها هى:

  1. نبذ العنف واعتبار ذلك أساسا لحماية الحريات.
  2. تكوين ألية قومية (أحزاب ومستقلون) للتعاون والتشاور بشأن القضايا الدستورية وقضايا الحريات… الخ, والعمل لاستقطاب الرأى الوطنى حول ذلك.
  3. تكوين ألية قومية لتحقيق السلام العادل, وتفعيل كافة وسائل تحقيقه.

عهد التضامن الوطنى هذا يعلن ويوثق.

ثالثا: إقرار مبدأ المشاركة بعد استكمال الاتفق على البرنامج الوطنى والاتفاق على توقيعات وآليات التنفيذ.

ان تكون المشاركة على احد اساسيين:

اولأ: فى إطار انتخابات حرة فى المستويات المختلفة بعد الاتفاق على قوانينها ونزاهتها.

وفيما عدا الأجهزة الانتخابية تكون المشاركة فى إطار دولة الوطن.

الثانى: فى إطار قومى مجمع عليه.

بعد أن قرر الرئيس اقتراحه خاطب رئيس المكتب السياسي الحاضرين. فقام الأخ الزهاوى ابراهيم مالك بتثنية الاقتراح, وايده الحاضرون بالإجماع.

أحبابى فى الله واخواتى فى الوطن العزيز,

يوم الأربعاء الماضى نشرت مذكرة تفاهم بين الحركة الشعبية بقيادة د. حسن الترابى.

رأينا فى هذا النص هو كالآتى:

  • المذكرة تتطابق مع نداء الوطن الذى وقعناه مع النظام فى جيبوتى فى 26 نوفمبر1999 م ولذلك فإنها تصلح لتكون أساسا لتقارب وجهات النظر حول القضية الوطنية.
  • ولكن المذكرة اختلفت مع نداء الوطن فى أنها عقدت تحالفا بين طرفيها واحدهما يحمل السلاح ويقاتل النظام للعمل معا للإطاحة بالنظام.

هذا الموقف مرفوض لأنه يفتح جبهة نزاع جديدة ولا يتناسب والمرحلة الحالية وكان ينبغى ان تؤكد أربعة أمور:

الأول: نبذ العنف.

الثانى: التفاوض المباشر لتحقيق الأهداف الوطنية.

الثالث: التعبئة الشعبية والدبلوماسية من أجل تحقيق الأهداف الوطنية.

الرابع: وقف غطلاق النار لانجاح التفاوض.

إن خلو المذكرة من هذه النقاط الأربع فتح مجال الاتهام بوجود أجندة خفية وأدى لاعتقال د. حسن الترابى وأعوانه.

 اننا من حيث المبدأ نرفض الاعتقال التحفظى ونطالب بأنه اذا توافرت الدلائل ينبغى ان يقدم المعتقلون لمحاكمة عادلة وعلنية وعاجلة وان يمنحوا حق الدفاع عن أنفسهم.

إن شعبنا يعانى معاناة مأسوية وما من ذى كبد رطب لا يلين قلبه لهذة المآسى.

لقد اختفى التعصب من مواقف الفصائل السياسية السودانية ما يبشر بإمكان إيجاد حل سياسى شامل وهذا ما سوف يبذل حزبنا قصارى جهذه لتحقيقه.

نحن على اتصال مباشر بالنظام وقد قطعنا شوطا كبيرا فى سبيل الحل السياسى الشامل.

النظام أمامه خياران واضحان:

الأول: أن يواصل معنا التفاوض بجدية وان نحقق الحل السياسى الشامل. فى هذه الحالة فإن الشعب والنظام سوف يجمعهم موقفا وطنيا واحدا يبشر بالخير والاستقرار والسلام للسودان ويحمل ما يحمل من وعد.

الثانى: ان ينتكس هذا الاتجاه الوطنى الخير ويحدث استقطاب بين النظام والشعب ويحمل هذا ما يحمل من وعيد.

ونحن على اتصال مباشر بكافة فصائل المعارضة. ونقول لهم بوضوح لم يعد هناك عذر لاحد ان يتأخر فالأمر يحتاج لتحرك عاجل وحاسم لتحقيق الحل السياسى الشامل. يا أهلنا تعالو إلى كلمة سواء بيننا على اساس.

  •  قبول مبدأ التفاوض المباشر والاتفاق على آلية صالحة للتفاوض ولتنفيذ الاتفاق.
  •  التعبئة السياسية والشعبية والدبلوماسية لصالح الحل السياسى الشامل.
  • ت‌-    نبذ العنف والإقدام على العمل السياسى داخل البلاد.

أما الحركة المسلحة – أى الجيش الشعبى- فإننا نخاطبه بالستعدلد للآتى:

أولا: إعلان مبادئ الحل السياسى الشامل بما يتضمن كل ما نصت عليه قرارات مؤتمر أسمرا فى يونيو 1995 م.

ثانيا: على ضوء تلك المبادئ يجرى تفاوض مباشر عبر ملتقى جامع.

ثالثا:يكون لجيراننا وللأسرة الدولية دور رقابة على التفاوض وتكوين آلية لمتابعة تنيفذ ما يتفق عليه.

رابعا: إعلان وقف إطلاق النار والالتزام به بإنجاح التفاوض.
ختاما

ان الموقف الإنسانى والعالمى اليوم يدعم التوجه للسلام والتحول الديمقراطى وهذا هو ما يتطلبه الاعتقاد الدينى الصحيح.

وهذا هو ما يطابق المصلحة الوطنية السودانية .

إن التيار الإنسانى, والدينى, والوطنى تيارات تدعم بعضها بعضا فى مناصرة إيقاف الحرب, وتحقيق السلام, وإنهاء الأحادية وتحقيق الديمقراطية.

اننا سوف نبذل كل جهدنا لتحقيق هذا الهدف ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بيد السودان وأهله فهم قوم متسامحون أفاضل لا يستحقون كل هذا العناء اللهم إلا من باب أن المؤمن مبتلى. وقد نال شعبنا فوق الطاقة من العذاب والشقاء بحيثيرجى من العناية الإلهيه ووعى القيادى السياسية أن تجد للبلاد مخرجا يحقق السلام والاستقرار الديمقراطى. وليس ذلك على الله بعزيز ولا يستعصى على قدرات شعبنا المعهودة.

اللهم اكتب للسودان فرجا ومخرجا واخذل من يريده بسوء.

عباد الله ان الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون .. قومو إلى صلاتكم يرحمنى الله وإياكم. 

زر الذهاب إلى الأعلى