عام

تحديات الانتقال – الأزمات والفرص

تحديات الانتقال – الأزمات والفرص

بسم الله الرحمن الرحيم

تحديات الانتقال – الأزمات والفرص

رؤية هيئة شؤون الأنصار

تقديم د. عبدالمحمود أبو

الأمين العام

كانت ثورة السودان في ديسمبر عظيمة؛ استعادت صورة السودان الزاهية وعبرت عنها في شعاراتها التي جسدت القومية السودانية(العنصري المغرور كل البلد دار فور) و(كان عندك خت وكان ما عندك شيل) و(أرفع إيدك فوق التفتيش بالذوق)؛ تلك الشعارات التي عبرت عنها أبلغ تعبير أيقونة الثورة(حرية سلام وعدالة)، ولكن جاءت جريمة فض الاعتصام فوأدت الحلم، وأحدثت جرحا غائرا في جسد الوطن لا زلنا تعيش آثاره ونكتوي بآلامه؛ ومع انتصار الثورة  انكشفت كل  أزمات الوطن التي أخفاها النظام الشمولي فتورمت وانفجرت في عهد الفترة الانتقالية.

إن حكومة الفترة الانتقالية تشكلت في ظروف غير طبيعية وصحبتها عيوب أساسية شلت حركتها:

العيب الأول: الحاضنة السياسية لم تكن على كلمة واحدة؛ حيث لم تتفق على الخطاب السياسي القومي الذي يتلمس قضايا الوطن الأساسية، ولم تتفق على خارطة طريق محددة واضحة المعالم، ولم تحسم موضوع هياكلها ولوائحها الحاكمة لعملها، وغلب عليها الاصطفاف الأيديولوجي ونظرة المحاصصة.

العيب الثاني: أن شراكة المكون المدني والمكون العسكري تمت بضغوط إقليمية ودولية، في ظل أجواء مشحونة بمشاعر جريمة فض الاعتصام، فظلت الثقة بينهما ضعيفة والعلاقة بينها يشوبها الحذر والتوجس.

العيب الثالث: لم تلتزم الحكومة بمعايير الكفاءة والخبرة في اختيار الوزراء، مع غياب البرنامج الواضح، وتحديد المسئوليات، والتنسيق بين مؤسسات الدولة؛ بل ترك كل ذلك للاجتهادات الشخصية، فاستغل بعض المسئولين مناصبهم لتمرير أجنداتهم الأيديولوجية، مما أظهر الحكومة كأنها جاءت لتغيير هوية الأمة ومحاربة قيمها وثقافتها وعقيدتها؛ وهذا بدوره ساعد في تفجر الأزمات بصورة شلت مسيرة الانتقال. تحديات-الانتقال-الأزمات-والفرص

العيب الرابع: التغيير الذي تم؛ اقتصر على إزالة رموز نظام الإنقاذ فقط. بينما ظل النظام المخلوع باقيا بأجهزته وقوانينه وأشخاصه؛ يسير دولاب الدولة ويعيق أي جهود إصلاحية، بل يفتعل الازمات ويعطل قرارات الجهاز التنفيذي.

العيب الخامس: بعض العسكريين لم يتحرروا من نزعة الوصاية، وبعض المدنيين لم يتحرروا من نزعة اختطاف الثورات؛ فسمموا الأجواء بتصريحات وسعت الشقة بين المدنيين والعسكريين، وساعدت في خلق الأزمات.

العيب السادس: نصت الوثيقة الدستورية على أن يتكون مجلس الوزراء من كفاءات وطنية مستقلة؛ وتكونت الحكومة الأولى من شخصيات مستقلة ولكنها لم تكمل دورتها لعجزها وقلة كفاءة بعض وزرائها، فتم تغييرها بحكومة محاصصة بين الأحزاب وحركات الكفاح المسلح فأصيبت ببعض مظاهر المناكفات.

العيب السابع: الوثيقة الدستورية تمثل دستور الفترة الانتقالية؛ وقد نصت على مهام الفترة الانتقالية، وحددت مدتها، ونصت على قيام المجلس التشريعي، ومجلس القضاء العالي، والمحكمة الدستورية، وإثني عشر مفوضية؛ ولكن الحكومة بمجلسيها السيادي والتنفيذي لم تعط الوثيقة الدستورية قوتها فصارت عرضة للتعديل ولم يتم تنفيذ ما أمرت به من تشكيل المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية وعدد من المفوضيات المهمة. تحديات-الانتقال-الأزمات-والفرص

إن هشاشة التكوين القومي لبلادنا، ورخاوة مؤسسات الدولة الحديثة فيها، وتقاصر قدراتها الاقتصادية عن تلبية ضرورات الحياة، مضافا إليها العيوب التي صاحبت الفترة الانتقالية؛ كل هذه العوامل شوهت الفترة الانتقالية، وأصيب الشعب بالإحباط بالرغم من تفاؤله بالإنجازات الكبيرة التي تحققت ومنها: رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وإلغاء الديون ودخول السودان في قائمة الدول المستحقة لتعامل المؤسسات الاقتصادية الدولية معها؛ استغل الشموليون هذا المناخ فشجعوا ظاهرة الانفلات الأمني، والاصطفاف القبلي والمناطقي، ونشر الاشاعات والأكاذيب واستغلال الحريات لممارسات تخريبية بقصد تهيئة المناخ للعودة إلى عهد الشمولية.

الأزمات:

إن محاولة الانقلاب التي أعلن عن إحباطها؛ مظهر من مظاهر الأزمة ولن تكون الأخيرة مالم نغير من أساليبنا في التعاطي مع قضايا الوطن؛ إننا ندين بشدة أي توجه لتغيير الأوضاع بالقوة، فكل أزمات السودان سببها الحكومات الشمولية التي تستولي على الحكم بالانقلاب ضد إرادة الشعب؛ لقد كانت النظم الشمولية سبب اخفاقٍ في مهمة البناء القومي للبلاد: لأنها تحاول القفز فوق الواقع فتدفع الرأي الاخر، والولاءات التقليدية إلى استقطاب حاد يحول الاختلافات العادية الى عداوات. واخفاقٍ في بناء الدولة الحديثة: لأنها تجعل مؤسسات الدولة أدوات لسلطانها فتفرغها من محتواها الوظيفي وتحاول جعلها روافد لحزب السلطة. واخفاقٍ في التنمية: هنالك علاقة تلازم بين الديمقراطية والتنمية فأغنى بلدان العالم هي الدول المحكومة بنظم ديمقراطية، وأفقر بلدان العالم هي الدول المحكومة بنظم شمولية. واخفاقٍ في دور القوات المسلحة الدفاعي: لأنها تستخدم القوات المسلحة أداة للسلطة. فتفقد انضباطها وكفاءتها. تحديات-الانتقال-الأزمات-والفرص

إن التحديات التي تواجه الفترة الانتقالية كثيرة منها:

أولا: إدارة الفترة الانتقالية بروح الفريق بين المدنيين والعسكريين.

ثانيا: تواثق الحاضنة السياسية على برنامج الانتقال والالتزام بتنفيذه بوحدة الكلمة.

ثالثا: تحقيق السلام العادل بمشاركة كل حملة السلاح.

رابعا: معالجة الصراعات القبلية والجهوية والاصطفاف المناطقي.

خامسا: إصلاح الاقتصاد ومعايش المواطنين والبنية التحتية

سادسا: التصدي للانفلات الأمني والتهريب وانتشار السلاح في مناطق الصراعات القبلية.

سابعا: تصفية دولة الحزب الواحد وتأسيس دولة المواطنة.

الفرص:

إن ما يجري في بلادنا من ضائقة معيشية، وتفلتات أمنية، واصطفافات مناطقية وجهوية وقبلية، ومحاولات انقلابية، وتراشقات إعلامية عنيفة بين مكونات الفترة الانتقالية العسكرية والمدنية؛ يؤكد أن هنالك أزمة إن لم تعالج سوف تتصاعد مظاهرها وتؤدي إلى خراب السودان؛ عليه نرى أن العلاج ليس في الاصطفاف مع أو ضد، وإنما يكون العلاج بالاصطفاف الوطني بين جميع أصحاب المصلحة واستلهام قيم الثورة، واستشعار المسئولية التي حملها الشعب لحكومة الفترة الانتقالية بشقيها السيادي والتنفيذي؛ لذلك نقترح روشتة العلاج الآتية: تحديات-الانتقال-الأزمات-والفرص

أولا: العودة إلى منصة التأسيس قبل فض الاعتصام، حيث وصل الثوار إلى ميدان القيادة معتصمين واستجابت القوات المسلحة بكل مكوناتها (الجيش والدعم السريع والشرطة والمخابرات) إلى إرادة الشعب، فتحقق النصر على النظام الفاسد، واعتبر من انحازوا إلى الثورة شركاء تسقط عنهم الملاحقة في قضايا الحق العام.

ثانيا: حسم القضايا العالقة (البت في جريمة فض الاعتصام – قيام المفوضيات – تشكيل المجلس التشريعي – قيام المحكمة الدستورية إلى آخر المتطلبات المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية.)

ثالثا: الاتفاق على خارطة طريق محددة موضوعات وبرامج مع تحديد التوقيت لتنفيذها.

رابعا: أن تراجع الحكومة منهجها ومسئوليها وتتخذ قرارات تتناسب مع حجم التحديات لتجاوز الأزمة.

خامسا: استكمال عملية السلام بدعوة كل من عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور؛ أن يتعاملا كشريكين في الثورة ليتم التفاوض حول إجراءات استكمال السلام، وادارة حكم البلاد، ومعالجة آثار الحرب، لا كحركات مسلحة تتفاوض مع حكومة؛ وإنما كشركاء لهندسة الفترة الانتقالية.

تحديات-الانتقال-الأزمات-والفرص

سادسا: معالجة القضايا المعطلة لمسيرة الثورة (الأمن – المعيشة – النزاعات الاثنية والمناطقية – واستكمال عملية الترتيبات الأمنية مع شركاء السلام من حركات الكفاح المسلح – وإلغاء كافة الإجراءات حول القضايا الخلافية؛ مثل: المناهج، وتعديل قوانين الأحوال الشخصية، والعلاقة بين الدين والدولة) هذه القضايا محلها المؤتمر الدستوري.

سابعا: الشروع في التحضير للمؤتمر الدستوري بعقد المؤتمرات المتخصصة في الاقتصاد، والتعليم، والصحة، والبنية التحتية، وإزالة آثار الحرب، وترسيخ ثقافة السلام، والسياسات الخارجية، وعلاقة الجيش بالسلطة، وعلاقة الدين بالدولة، ومعالجة البطالة، وقضايا الشباب، وغيرها من القضايا التي يقرر بشأنها المؤتمر الدستوري ليستفتى فيها الشعب.

ثامنا: توقيع ميثاق شرف بين شركاء الانتقالية من المدنيين والعسكرين، للعمل سويا لإنجاح الفترة الانتقالية، وذلك بعد معالجة أسباب سوء الفهم بينهما، والالتزام بتجنب ما من شأنه أن يعكر صفو العلاقة.

تاسعا: فرض هيبة الدولة بالتزام المسئولين بالوثيقة الدستورية مع معالجة عيوبها، واحترام القوانين وتطبيقها بحزم على جميع المخالفين، مهما كانت مكانتهم، ومعاقبة الذين تتم ادانتهم وفق الإجراءات القضائية العادلة.

عاشرا: أن يلتزم الجميع بمدنية الدولة، واحترام إرادة الشعب وعدم فرض أي وصاية عليه، وتنفيذ ما اتفق عليه وعدم الالتفاف على الاستحقاقات مهما كانت الذرائع.

ختاما: نقترح تكوين آلية من أهل الحكمة والخبرة والقبول العام؛ تتوسط بين أطراف النزاع في الحكومة للوصول إلى وفاق لإنجاح مرحلة الانتقال.

تحديات-الانتقال-الأزمات-والفرص

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى