كتبه د. عبدالمحمود أبّو
قال أوس بن حجر:
إِذا الحَربُ حَلَّت ساحَةَ القَومِ أَخرَجَت
عُيوبَ رِجالٍ يُعجِبونَكَ في الأَمنِ
إن آثار الحرب المعروفة واضحة وهي :القتل، والدمار، والانتهاك، والتشريد، وغيرها من نتائج الحروب التي سجلها زهير بن أبي سلمي في معلقته:
وَمَا الحَـرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُـمُ
وَمَا هُـوَ عَنْهَا بِالحَـدِيثِ المُرَجَّـمِ
مَتَـى تَبْعَـثُوهَا تَبْعَـثُوهَا ذَمِيْمَـةً
وَتَضْـرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُـوهَا فَتَضْـرَمِ
فَتَعْـرُكُكُمْ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفَالِهَـا
وَتَلْقَـحْ كِشَـافاً ثُمَّ تُنْتَجْ فَتُتْئِـمِ
فَتُنْتِـجْ لَكُمْ غِلْمَانَ أَشْأَمَ كُلُّهُـمْ
كَأَحْمَـرِ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِـعْ فَتَفْطِـمِ
▪︎ وماخلفته الحروب الحديثة من فظائع جعلت العقلاء يحولونها إلى فرصا لإعمار النفوس بالسلام ولإعمار البلدان بتأسيس نظم تقلل من آثارها.
▪︎ إن ما أظهرته الحرب الحالية من عيوب كثيرة أهمها الموبقات الآتية:
● أولا: الانقسام بين الناس على أسس ذاتية نتة تؤدي إلى خراب العلاقات بين الناس وتحيي النعرات التي جاء الإسلام للقضاء عليها؛ فعندما أجج المنافقون العداوة بين المهاجرين والأنصار، جمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم:((أبدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم، بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألَّف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً؟!).
● ثانيا: صار المنكر معروفا والمعروف منكرا، فالنصوص الشرعية الداعية للسلم والصلح بين الناس أكثر من أن تحصى، ولكن في ظل هذه الحرب أصبح من يدعو إلى إيقاف الحرب و اللجوء إلى السلم يتهم بالخيانة والعمالة وكل مفردات السقوط الأخلاقي، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:((أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ)؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ:(إِصْلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ)) والله سبحانه وتعالى قال:(( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)).
● ثالثا: التعصب للرأي؛ برز التعصب للرأي بصورة مزعجة إلى درجة السعي إلى تصديق الأوهام ، وعدم الاستعداد لمعرفة الحقائق من مصادرها، وتمترس كل فريق حول موقفه، وتجريد من يخالفه من أي فضيلة، مع أن الله سبحانه وتعالى حذرنا من مغبة ذلك قال تعالى:(( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)).
● رابعا: ضعف المشاعر الإنسانية؛ فالإنسان السوي يتألم من رؤية شخص ضعيف يقع عليه الظلم، ويسرع لنجدة المحتاج، ويتأذى من رؤية كرامة إنسانية تنتهك، ولكن في ظل الحرب انتشرت عبارات (جغمو – بلو- أضبحو -… إلخ)وغيرها من الألفاظ التي تدل على قساوة القلب وتبلد المشاعر، مع أن ديننا جاء بالرحمة حتى للحيوان، قال صلى الله عليه وسلم :((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم، فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) فما بالكم بالإنسان الذي جعله الله أكرم مخلوق وأمر بصيانة حقوقه وإكرامه، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك ماله ودمه وأن نظن به إلا أخيراً).
● خامسا: القطيعة والاتهام بالباطل؛ مفهوم أن يتخذ الإنسان موقفا وفق تقديراته، ولكن أن يجعله هذا الموقف يقاطع كل من يخالفه من إخوته أو معارفه، ويتهم من لا يؤيده بتهم باطله، هو من موبقات هذه الحرب، فالاختلاف طبيعة بشرية وإرادة إلهية وواقع اجتماعي، خلق الله الناس أحرارا وأعطاهم ملكات الاختيار من العقل والحرية والارادة، فالحرية التي يتمتع بها الإنسان في اختياراته، مكفولة أيضا لمن يخالفه الرأي، فلا تجوز القطيعة ولا الاتهام بالباطل قال تعالى:((وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)) وقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم:(( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)).وقال تعالى :(( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)).
السبعة الموبقات للحرب
● سابعا: الغفلة عن ما ينتظر العبد؛ كل يوم نرى ونسمع عن موت العشرات من الناس منهم من نعرفه ومنهم من لا نعرف، وما حدث لهم قد يحدث لنا ومع ذلك تجد كثيرا من الناس لا يراجعون أنفسهم ولا يحاسبونها استعدادا لليوم الذي قال الله فيه:((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ))، وعندما يدفن العبد ينادى من قبل الله سبحانه وتعالى؛ عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنونك، ولو ظلوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا أنا وأنا الحي الذي لا أموت، فما ذا صنعت لي؟ العاقل من حرص على أن يجيب إجابة تنفعه والغافل من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
• هذه الموبقات أخطر علينا من كل ما نملك، علينا أن نحاسب أنفسنا، ونراجع موقفنا، ولا نكون من الذين قال الله فيهم :(( وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ)).
• إن الفتنة امتحان من الله للناس وتمحيص لهم قال تعالى:(( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)).
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، فأمرنا بيدك وخلاصنا عندك يارب العباد وقد فوضنا أمرنا إليك فأحسن حالنا فيما يرضيك، واجعل لنا نورا منك نمشي به في الظلمة إلى يوم الدين حتى نلقاك على صفاء ويقين.
أقرأ التالي
ديسمبر 26, 2023
أما آن لنا أن نتعظ؟
نوفمبر 25, 2023
أم دبيكرات – في الفروة كان حسن الختام
نوفمبر 11, 2023
معركة شيكان دروس وعبر
أكتوبر 21, 2023
ذكرى أكتوبر ومأساة الوطن
أكتوبر 19, 2023
فلسطين المحتلة والمقاومة المشروعة
سبتمبر 28, 2023
رسالة المولد
أغسطس 5, 2023
الإمام الصادق المهدي والتجديد في الفكر الإسلامي
يوليو 25, 2023
أهمية التزكية في ظل مناخ الفتنة
يونيو 14, 2023
((حرمة التعامل مع المال المنهوب))
مايو 14, 2023
إدانة واستنكار للعدوان وانتهاكات حقوق الإنسان
زر الذهاب إلى الأعلى