الأحداث

التقدمية المؤصلة

التقدمية المؤصلة

بسم الله الرحمن الرحيم

التقدمية المؤصلة

البطاقة الفكرية لهيئة شؤون الأنصار

الإسلام جاء دينا خاتما للرسالات السماوية ,متضمنا لأصولها, ومتميزا عنها بالعموم ,والختام ,والمرونة التي تمكنه من التجاوب مع المستجدات التي تطرأ عبر الزمان والمكان , والمصادر الإسلامية الأصيلة متفق عليها في الغالب من جميع المسلمين وتليها مصادر فرعية اتفق الفقهاء على بعضها واختلفوا على أخرى، والأحكام الإسلامية تنقسم إلى أحكام ثابتة لا يختلف عليها جمهور المسلمين وأحكام متغيرة هي محل اجتهاد, ومن الطبيعي أن يحدث الخلاف حولها , والإسلام أعطى العقل دورا في استنباط الأحكام , وأقر الاجتهاد, وأجاز الاقتباس من التجارب البشرية ,وعليه حدث الاختلاف بعد عهد النبوة حول كثير من القضايا التي كان رسول الله المرجع الأول والأخير في البت فيها عندما كان موجودا, وبعد وفاته استعمل كل فقيه من الصحابة أسلوبه في فهم النصوص واستنباط الأحكام , ومع مرور الزمن ظهرت المذاهب الفقهية والمدارس الفكرية والفرق الإسلامية التي تستمد مشروعية موقفها من النصوص الإسلامية في الكتاب والسنة , وفى كل عصر يبرز مجددون ينفضون الغبار عن الإسلام ويميزون بين حقائق الإسلام وبين اجتهاد البشر مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم (يبعث الله لهذا العلم في كل عصر عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين).

إننا نعيش في عصر مختلف؛ عصر الثورة المعلوماتية وعصر التداخل الفكري والتلاقح الثقافي والتواصل الحضاري مما يقتضي تطوير خطابنا وآلياتنا للتعامل مع العصر بمقتضياته.

المحور الأول: التجديد في الفكر الديني

المحور الثاني: التجديد في الخطاب الديني

المحور الثالث: التجديد في الآليات الدعوية

المحور الأول: التجديد في الفكر الديني

      الدين جاء لهداية البشر وفق ما قرره الله سبحانه وتعالى في كتبه وكما بينته رسله، وتعاليم الدين جاءت منظمة لعلاقة الإنسان بربه، وعلاقته ببنى جنسه وعلاقته بالكون الذي يحتويه، والفكر الديني نتاج للعقل البشرى في محاولاته المستمرة التوفيق بين تعاليم الدين والواقع الذي تطبق فيه، والأفكار هي التي تحدد صلاحية التطبيق من عدمها.

      لقد مر الفكر الإسلامي بمراحل متعددة تطور فيها حينا وتراجع فيها أحيانا حسب قدرات قادة الفكر في استيعاب كليات الدين ودرجة وعيهم بالواقع الذى يعيشون فيه , ونحن الآن نعيش فى عصر انتشرت فيه النظريات والأفكار، وتداخلت فيه الأديان وتطور فيه الوعى الإنساني بصورة غير مسبوقة؛ مما فرض على الأديان تحديات جديدة إما أن تواكبها فتتجدد وتبقى، وإما أن تتخلف عنها فتتلاشى وتندثر, وبما أن الدين الإسلامي هو الدين الخاتم فلا بد أن يكون قادرا على التجاوب مع مستجدات الحياة , وإذا كانت النصوص متناهية والقضايا غير متناهية – كما يقول علماء الأصول – فإن لاجتهاد العلماء دورا في استنباط الأحكام من المصادر الشرعية بحيث لا تتعارض مع الكليات الشرعية ولا تتناقض مع الواقع الضروري , وعليه فإن الإمام الصادق قد اجتهد وبلور مدرسة فكرية إسلامية واضحة المعالم محددة المنطلقات , بدأت منذ العام 1959 م بكتابة مقدمة لكتاب العبادات للإمام المهدى حملت عناوين (الدين والإنسان – الإسلام والإنسان والحضارة الإنسانية – والإسلام والسودان – ودعوة الإمام المهدى ) ووصلت في العام 2005إلى (نحو مرجعية إسلامية متجددة) ومعالم هذه المدرسة منشورة في الكتب والمقالات والخطب العديدة التي أصدرها الإمام.

وقد لخصها في أطروحة بعنوان: ” التأصيل التقدمي” خلاصتها:

أولا: المرجعية:

      لتحقيق الالتزام الديني والتجاوب مع العصر دعا الإمام الصادق أن تكون المرجعية التي يستند عليها المسلم في فقه حياته الخاصة والعامة وعلى مستوى الدولة والعلاقة مع الآخر الملى والدولي قائمة على الآتي:

  • الالتزام بالقطعي ورودا ودلالة من الكتاب والسنة: فالقرآن يعتبر المصدر الأول للتشريع في الإسلام ونصوصه فيها المحكم وفيها المتشابه، وألفاظه بعضها يحمل معنى واحدا وبعضها معانيه متعددة. والسنة النبوية الصحيحة تنقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية: متواترة، ومشهورة، وآحاد. وأحكام السنة على أربعة أنواع: وحي وفتيا وقضاء وسياسة شرعية كما بين ذلك الإمام القرافي، وعليه فإن أطروحة التأصيل التقدمي تقول بأن الملزم من أحكام الإسلام هو ما كان قطعي الورود وقطعي الدلالة وأما النصوص الظنية الورود والدلالة فأحكامها ليست قطعية ولذلك يجوز فيها الاجتهاد.
  • التمييز بين الثابت والمتحرك: الأحكام الإسلامية ليست على درجة واحدة. فهنالك أحكام ثابتة لا تتغير بتغير الزمان ولا المكان، ولا العادات ولا الأعراف، وهنالك أحكام قائمة على العلل تدور معها حيث دارت وإعطاء الأحكام الإسلامية صفة واحدة هو الذي أوقع المسلمين في كثير من الأخطاء. إن أطروحة التأصيل التقدمي تدعو إلى التمييز بين الثابت والمتغير فى أحكام الإسلام، وتعتبر أن الثابت هو ما يتعلق بأحكام العقيدة والعبادات ومكارم الأخلاق، وما عداها فيدخل في دائرة الأحكام المتغيرة وهو ما يطلق عليه مصطلح السياسة الشرعية.
  • إعطاء العقل دورا في أحكام الإسلام: جعل الإسلام العقل شرطا في التكليف، فالإنسان غير مكلف إذا كان فاقدا للعقل بسبب الصغر أو الجنون أو بسبب أي آفة أثرت على عقله فعطلت وظيفته، والأحكام الشرعية في الغالب معقولة المعنى ولا تتعارض مع حكم العقل السليم، إن أطروحة التأصيل التقدمي متعترف بدور للعقل ولكنها تحدد للعقل مجاله، فالعقل يعتبر مرجعا أولا في مجال اختصاصه، فالخطأ يقع عندما نحكم العقل في المسائل الغيبية ونحكم الغيب في المسائل العقلية
  • الاعتراف بمصادر المعرفة الأربعة: فالمعرفة مصادرها متعددة فهنالك معرفة تكتسب عن طريق الوحي، وأخرى عن طريق الإلهام، وثالثة عن طريق العقل، ورابعة عن طريق التجربة، والمطلوب هو استصحاب هذه المصادر كلها في الاجتهاد وحصر كل مصدر في مجاله
  • ربط النصوص بالمقاصد: التشريع الإسلامي يربط النصوص بالمقاصد , فالدين نزل لتحقيق أهداف معينة قد لا تتمكن النصوص من التعبير عنها , ولذلك حدد الإسلام مقاصد كلية تجب مراعاتها عند التقنين والتطبيق , بحيث لا تهدم النتيجة النهائية للتطبيق مقصدا من مقاصد الإسلام ,لقد تراجع فقه المقاصد عند كثير من الدعاة مما أدى إلى تشويه للإسلام , فالتأصيل التقدمي يدعو إلى ربط النصوص بالمقاصد , ومما يجب لفت النظر إليه أن فقه المقاصد كان حاضرا في استنباطات رواد الفقه الإسلامي وأصل له الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات , ولكن عوامل الجمود والتقليد وقفل باب الاجتهاد أحدثت اختلالا في مسيرة الدعوة الإسلامية  
  • استصحاب العطاء الإنساني: الكون كتاب مفتوح استودع الله فيه سننه وقوانينه التي تتجلى في مظاهر الطبيعة والأحياء والفلك وفي علاقات المجتمع وهي متاحة للجميع بغض النظر عن عقائدهم قال تعالى (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا) والتجارب الإنسانية أثمرت فوائد كثيرة ملموسة يحتاجها الإنسان حيثما وجد، هذا العطاء الإنساني يدعو الإمام لاستصحابه والاستفادة منه على أساس (الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها أخذها)

2– الاجتهاد في غير القطعيات:

      إن صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان تتوقف على اجتهاد المسلمين لاستنباط أحكام ومفاهيم تلائم كل العصور والبيئات وتستجيب للمستجدات، والاجتهاد وسيلة الإسلام لتحقيق هذه المواكبة، لقد أدى التقليد لتعطيل مسيرة الإسلام ووصم مجتمع المسلمين بالجمود التخلف والتراجع، إن أطروحة التأصيل التقدمي تدعو إلى اجتهاد جديد لمواجهة تحديات العصر وموجبات الاجتهاد كثيرة أهمها: سبع قضايا تحتاج إلى أحكام جديدة تستنبط من قطعيات الإسلام، لأن ما قرره جمهور الفقهاء في هذا المجال لا يلائم العصر الحديث وتلك القضايا هي:

  • الأحكام الخاصة بغير المسلمين
  • الأحكام الخاصة بالمرأة
  • أحكام الرق
  • ولاية الأمر (نظام الحكم – شرعيته – مبادئه – طبيعته)
  • أحكام الاقتصاد
  • الردة
  • العلاقات الدولية

والحجة في ذلك :أن النصوص متناهية والأحداث متجددة , وأن الإسلام جاء لكل الناس فى كل العصور وليس وقفا على عصر معين , وأن صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان مرهونة باجتهاد المسلمين , وأن الحساب الإلهي قائم على العدالة والعدالة تقتضى أن نحاسب على ما نقوم به من عمل وليس على عطاء السابقين واجتهادهم , والنصوص الإسلامية تؤكد وجوب الاجتهاد عندما لا يسعفنا ظاهر النص فعندما بعث رسول الله معاذا إلى اليمن قال له (كيف تقضى إذا عرض عليك أمر؟ قال بكتاب الله قال فإن لم تجد ؟ قال بسنة رسول الله , قال فإن لم تجد ؟ قال أجتهد رأى ولا آلو .فوضع رسول الله يده على صدر معاذ وقال الحمد لله الذى وفق رسول رسول الله لما يرضى رسول الله )

3 – التعامل مع الآخر:

      المجتمع الإنساني قائم على التعددية الدينية والثقافية والإثنية وهي مظاهر ضرورية في حياة الإنسان قال تعالى (…ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم..) هذا التنوع حاول كثيرمن الناس إلغاءه ولكنهم فشلوا لأنه جزء من قدر الله.

      إن أطروحة التقدمية المؤصلة تدعو إلى الاعتراف بالتعددية في كل مظاهرها الكونية. إن محاولة إلغاء الآخر جلبت للإنسانية حروبا مدمرة في الماضي وفى الحاضر لازلت تعيش آثارها يقول الإمام الصادق (الإيمان الديني والانتماء الثقافي ظاهرتان صحبتا الإنسانية منذ بداية وجودها، وحيثما ظهرت أيديولوجيات ربطت التقدم الإنساني بالتخلي عن الموروثات الدينية والثقافية، تراجعت تلك الأيديولوجيات وبقي الإنسان متدينا ومتمسكا بهوية حضارية وثقافية.  ولكن إزاء تعدد الأديان واختلافها، وتنوع الحضارات والثقافات وصدامها، وترابط مصالح كوكب الأرض عن طريق تقدم العلم والتكنلوجيا: ماذا يجب عمله للتوفيق بين هذا الترابط الموحد بين أطراف الدنيا وذلك التنوع المفرق للجماعات البشرية؟

هنالك ثلاثة خيارات:

الخيار الأول: أن يهيمن على البشرية دين واحد وحضارة واحدة.

الخيار الثاني: أن يطرد الدين من الحياة ويحكم على الموروث الثقافي بالزوال لتحل محلهما قيم عالمية وثقافة عالمية.

الخيار الثالث: الاعتراف بالتعددية الدينية والتنوع الثقافي كجزء لا يتجزأ من الحالة الإنسانية على أن تقبل الأديان التسامح والتعايش فيما بينها، وأن تقبل الحضارات والثقافات الإنسانية التعايش والحوار والإثراء المتبادل) (4)

      فالتقدمية المؤصلة تدعو للاعتراف بالآخر والتعامل معه بالصورة التي نحب أن يعاملنا به ولذلك فهي منحازة للخيار الثالث، والهدى الرباني وجه بحسن المعاملة قال تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)

4 – المرأة:

      النظرة التقليدية إلى المرأة تحط من قدرها لمجرد نوعها وهى نظرة تسربت للمجتمع الإسلامي من مفاهيم الجاهلية التي تنتقص من حقوق المرأة قال تعالى (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) وبكل أسف فإن الفكر التقليدي الإسلامي ذهب مذهبا يحط من قدر المرأة , وهنالك آراء تنصف المرأة وتعترف بحقوقها , فالإمام الصادق أولى اهتماما كبيرا لقضايا المرأة خاصة وأنها قد نالت حقوقا كبيرة في هذا العصر فإن لم تجد حقوقا مماثلة في دينها فستجد نفسها متنازعة بين دينها وعصرها ,وقد درس الإمام كل الآراء المتعلقة بالمرأة قديما وحديثا وتوصل إلى النتيجة الآتية: –

  • أن الإسلام يكفل حقوق المرأة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاستثناءات المشار إليها في الميراث والشهادة وغيرها معللة ودائرة مع عللها، وكل محاولة للاستناد إلى الدين لنقص مكانة المرأة أو نقص حقوقها يضر بالدين لأنه يحيد به عن العدل. والعدل من أهم مقاصد الدين، ويضر بأمة المسلمين لأنه يعرض النساء وهن نصف الأمة (على الأقل) لفتنة الخروج عن الدين بحثا عن الكرامة السليبة وعن الحقوق المسلوبة
  • استعرض الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من منظور إسلامي ووجد أن الحقوق المثبتة فيه عامة وللمرأة خاصة تتفق مع مبادئ وأحكام الشريعة (5)

5– الفن:

      هنالك موقف تقليدي يعادى الفن ويحرمه وقد فرض ثقافته على المجتمع الإسلامي حتى صار عامة المسلمين وكثير من فقهائهم يعتبرون تحريم الفن أمرا معلوما من الدين بالضرورة غير أن الإمام الصادق المهدى بعد استعراضه لكل الآراء ووقوفه على قطعيات الإسلام توصل للحقائق الآتية:

  1. الإسلام دين عمارة للدنيا والآخرة وهو دين فطرة يقرها وينظم ممارستها.
  2. الفن من فطرة الإنسان وله موقعه في حضارة الإسلام ونظامه. وهو من ضمن حاجات الإنسان الأساسية العشرة الواجب إشباعها والفن يقوم بوظائف عديدة منها الرقي الذوقى، فتح مدارك الترويح، الاتصال بالقيم العليا وتطوير الصناعات – مدنية وعسكرية – وغير ذلك
  3. لقد وظف الفن في مجالات دينية شركية وفى مجالات الملذات الهابطة، هذا النوع من الفن محرم لأنه ترويج للانحراف لا لأنه فن
  4. لأسباب تاريخية صار العدد الأكبر من المسلمين كما يظهر في خطب الجمعة والصفحات الدينية في الصحف يرون وجود تناقض بين الدين والفن، الحقيقة التي تؤكدها التجربة الإنسانية هي أن الدين والفن كلاهما يدفع الإنسان بقوة الإيمان وبروعة الفن إلى تجاوز قدراته. لا أحد يشك في أن الإيمان كفيل بمضاعفة قدرات صاحبه الطبيعية، أما الفن فقد صور آثاره ابن الفارض تصويرا جميلا:

     فطيف خيال الظل يهدى إليك       في كرى اللهو ما عنه الستائر شقت (6)

5-الجهاد:

      لقد فهم بعض المسلمين الجهاد فهما ضيقا فحصروه في القتال، واعتبروه وسيلة لإجبار غير المسلمين للدخول في الإسلام مستندين في ذلك على آية السيف الواردة في سورة التوبة وصور هذا الموقف الأستاذ سيد قطب فقال:(إن في كتاب الله سورة هي سورة التوبة تضمنت أحكاما نهائية بين الأمة الإسلامية وسائر الأمم في الأرض …)

      فالتأصيل التقدمي أولى هذا الموضوع اهتماما كبيرا؛ لأن مستقبل الإسلام سيكون مظلما إذا ترك للمتطرفين الذين اختطفوا الشعار الإسلامي أن يعرفوا الجهاد وفق نظرتهم الضيقة، إن كل الذين قتلوا في غزوات الرسول والسرايا التي ابتعثها في حياته فوجدهم: 1018 شخصا (259) شهيدا من المسلمين و(759) قتيلا من غير المسلمين كما أثبت الواقع أن الرسول صلى الله عليه وسلم حقق أهم ثلاث إنجازات للدعوة دون قتال هي:

  • تأسيس الدولة في المدينة عام الهجرة دون قتال
  • استمالة غالبية الجزيرة العربية للدعوة في عامي صلح الحديبية
  • فتح مكة دون قتال

وعليه فإن للجهاد تعريف أشمل من التعريف الضيق الذي يحصره في القتال؛ فالجهاد هوبذل الوسع كله لإعلاء كلمة الله في نفس الإنسان وفي كل دروب الحياة، فالإنسان يغالب الشر في نفسه مجاهدا، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة مجاهدا، ويغالب الجهل والفقر والمرض مجاهدا ويقاتل لكيلا يفتن في دينه ويقاتل دفاعا عن نفسه جهادا.. الجهاد بهذا الفهم الواسع ليس حصة في الحياة إنه كل حياة المسلم إنه رهبانية الأمة

6 – المهدية:

      العقيدة المهدية تثبتها المدارس السنية والشيعية ولكنها تختلف اختلافا كبيرا في تصورها للمهدية وطبيعتها وشخصية صاحبها وتوقيتها، والمهدية في السودان هي الأب الشرعي للدولة السودانية الحديثة فقد حررته وشهرته وحددت حدوده وأسست لنظام إسلامي فيه يراعى خصوصيته، والأنصار فى السودان يشكلون شريحة اجتماعية كبيرة لها تأثيرها الكبير على مجريات الأحداث في السودان، لقد اهتم الإمام الصادق بأمر المهدية واجتهد لتوضيح طبيعة المهدية في السودان وذلك على النحو التالي:-

  • تمييزها عن المدارس الأخرى: فالمهدية في السودان مهدية سنية وظيفية وغير مربوطة بتوقيت معين وغير مربوطة بآخر الزمان
  • تمييز الثابت والمتغير فيها: فالمهدية فيها مبادئ ثابتة وفيها مواقف وأحكام فرضتها ظروف العصر الذي ظهرت فيه. فالثابت فيها: أنها دعوة مستمرة لإحياء الكتاب والسنة المقبورين حتى يستقيما، وأنها تقوم على عقيدة سنية واضحة خالية من التعقيد والمفاهيم الباطنية الغامضة، وأنها تربى المؤمنين بها على منهج ديني صارم يأخذ بالأحوط في أحكام العبادات دون افراط ولا تفريط وفى نفس الوقت الاهتمام بالوطن وسيادته ومصالحه وبالمواطن وحرياته وكرامته
  • تحديد مرتكزاتها: فالمهدية دعوة تأصيل وتجديد وبعث للإسلام وهي تقوم على مرتكزات محددة هي:
  • التوحيد الخالص لله سبحانه وتعالى خال من الشوائب والشبهات والتعقيدات على أساس ماورد في سورة الإخلاص
  • الالتزام بالكتاب والسنة أصلا للحياة الخاصة والعامة
  • الاجتهاد المستمر لتأكيد صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان
  • الجهاد بمفهومه الواسع جزء من التربية الأنصارية
  • الجذور والأغوار الروحية لجميع الأنشطة الإنسانية
  • السعي لتوحيد أهل القبلة
  • بلورة منهج يعطيها القدرة على التجدد والمواكبة: كل حركات الإصلاح عرضة للتلاشي إذا حصرت نفسها في الماضي، فلكي تخرج المهدية من القوالب المعلبة فإن الإمام الصادق المهدى استطاع أن يبلور منهجا يجعلها قادرة على التجديد المستمر وهذا المنهج ورد في دفاتر المهدية فمقولة الإمام المهدي: (لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال) تعتبر القاعدة الذهبية في فقه الحركة
  • تحديد قواسم مشتركة تسهل التواصل بينها وبين الآخرين: المدارس الإسلامية باختلاف مشاربها لديها مفاهيم تعتبر مبادئ ومحاور تلتف حولها: فأهل السنة يتفقون على الكتاب والسنة، والإمامة عند الشيعة قضية محورية، والسلفية تقول بضرورة تصحيح العقيدة، والصوفية أولت اهتماما كبيرا للصفاء النفسي والجذور والأغوار الروحية، وحركة جمال الدين الأفغاني جعلت وحدة الأمة والإصلاح الاجتماعي أساس دعوتها، وحركة الشيخ عثمان دانفوديو في غرب أفريقيا كان الجهاد لطرد المستعمرين هو أساس دعوتها. لقد بلور الإمام الصادق مدرسة للمهدية من داخل تعاليمها أوضحت أن المفاهيم الواردة في أدبيات المدارس الإسلامية موجودة بصورة أساسية في تعاليم المهدية مما سهل للأنصار مهمة التواصل مع كل المدارس الإسلامية سنية وشيعية دون حرج ولا تعقيد.

المحور الثاني: الخطاب الديني:

      إن أزمة أمتنا تكمن في أسلوب الخطاب الذى تعرض به الإسلام سواء خطابها الإرشادي داخل الملة أو خطابها الدعوى خارج الملة , فبينما نجد أن الإسلام اهتم بأسلوب الخطاب اهتماما كبيرا إلا أن أغلبية الدعاة أهملت هذا الجانب فجاء خطابها منفرا وطاردا. قال تعالى (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) وقال تعالى (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) لقد رأى الإمام أن الخطاب الدعوى بقصوره دفع كثيرا من أبناء الإسلام دفعا لإشباع حاجاتهم الضرورية عند الحضارة الغربية بشقيها , والخطاب المنفر خلق بيئة متشددة متشائمة في المسرح الإسلامي فاجتهد لإيجاد خطاب جديد يجعل المسلم يعتز بدينه ويجد إشباعا لحاجاته الفطرية في داخل الإسلام وباستعراضنا لمنهج الإمام في الخطاب الديني نجده قد تميز بالحقائق الآتية:

أولا: الخطاب الشامل: هنالك عشرة مطالب للإنسان تعتبر ضرورة فطرية فإذا عجز الخطاب الديني عن تلبيتها سيعتبر عاجزا وسيضطر الإنسان لالتماس إشباع الناقص منها من مصادر أخرى وتلك المطالب هي: روحية ومادية ومعرفية واجتماعية وخلقية وعاطفية وفنية وعقلية ورياضية وبيئية، فالخطاب الديني الذي يخاطب هذه المطالب كلها سيجعل الإنسان متوازنا ومتماسكا ومكتفيا بدينه لأن كل ما يحتاج إليه قد استجاب له الدين.

ثانيا: المقارنة: من أساليب القرآن أنه يقارن بين الحقائق التي يقدمها وبين ما يقدمه الآخر ليعطى المستمع حق الاختيار بين البدائل والتمييز بين الأطروحات قال تعالى (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا….) فالإمام الصادق اتبع نهج المقارنة في العقائد وفى الأطروحات الفكرية وفى المواقف فعندما يقارن بين القرآن وبين الكتب المقدسة عند الملل الأخرى يثبت تفوق القرآن لا ادعاء جزافيا وإنما باستنطاق الحقائق التي تجبر الطرف الآخر على الاحترام ويقارن بين تاريخ النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبين تاريخ الأنبياء الآخرين فيوضح اتفاق جميع المسلمين على سيرة النبي منذ ميلاده وحتى وفاته بينما لم يتفق أتباع الرسل السابقين على سيرة أنبيائهم، ويقارن بين الحقائق التي جاء بها الإسلام وأثبتت التجربة صحتها وكذلك اتفاق الحقائق العلمية المكتشفة لاحقا بينما الواقع كذب كثيرا من ادعاءات الآخرين وهكذا فإن أسلوب المقارنة من أفضل أساليب الخطاب الدعوى لأنه يستنطق الحقائق

ثالثا: النقد الموضوعي: بعض الناس لا يعترفون للخصم بفضل أبدا وهذا أسلوب مع أنه ظالم فإنه في نفس الوقت يجعل صاحبه أضحوكة لأنه يغالط الحقائق والمدهش حقا أن الإسلام دعا للاعتراف بالحق مهما كان الوعاء الذي خرج منه لكن كثيرا من الدعاة خالفوا هذا التوجيه، فالمخالف لا يأتي بالخير أبدا، والصحيح اتباع أسلوب يعترف للآخر بفضله عندما يحسن وينتقده عندما يسيء، وإن خرجت منه كلمة حق يجب الترحيب بها قال تعالى (ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب إلى التقوى)

رابعا: التدرج والتيسير والمرونة: من خصائص الإسلام أنه دين الفطرة بمعنى أنه جاءت تعاليمه تلائم الفطرة الإنسانية , وقد تدرج الإسلام في نشر تعاليمه وترسيخها مراعيا عبئ التقاليد والعادات والبيئات , وقد حاول كثير من الدعاة حمل الناس على تطبيق تعاليم الإسلام جملة واحدة فى وقت واحد فشقوا على الناس ودفعوهم لمزيد من التجاوز , لقد حرص الإمام أن يكون الخطاب الديني متدرجا يأخذ بالأولويات ويقدم الكليات على الفرعيات والضروريات على التحسينات والكماليات والعام على الخاص والأهم على المهم , وأن تكون هنالك مرونة في الطرح , وتيسيرا على الناس التزاما بقوله تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) وتصديق لقوله تعالى (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ..)

المحور الثالث: الوسائل

أولا: دعوة الأطراف المختلفة للحوار عبر أطروحات محددة:

      هنالك ضرورة للحوار عبر ثلاث آليات: حوار داخل ملة الإسلام، وحوار مع الأديان، وحوار بين الحضارات

  1. الحوار الإسلامي الإسلامي:

مع نهاية الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة أصدرنا أطروحة (نداء المهتدين) كأساس للحوار داخل ملة الإسلام واستعرضت الأطروحة الموقف الإسلامي عموما ودعت أهل القبلة أن تعالوا إلى كلمة سواء بيننا للاتفاق على النقاط السبعة الآتية: –

  • أن كتابنا واحد معلوم ومحفوظ النص، ورسولنا واحد معلوم السيرة والهوية. هذه من نعم الله علينا. كتاب الله وسنة رسول الله بين أيدينا. علينا أن نؤمن تماما بأن ما نلتزم به هو القطعي ورودا والقطعي دلالة من الكتاب والسنة. أما الظني ورودا والظني دلالة وماليس فيه نص أصلا فأمور اجتهادية غير ملزمة لنا.
  • التعامل مع الآخر المذهبي الإسلامي يجب أن يقوم على الإيمان المشترك بالقطعيات والاعتراف المتبادل بالاجتهادات على أساس أن التقليد في الاجتهاد غير ملزم وأن القاعدة السنية من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد
  • هنالك عوامل مستجدة اختلف المسلمون حول كيفية التعامل معها (أهل السنة قالوا بالتعامل مع المستجدات على أساس القياس والإجماع – الشيعة قالوا بمعرفة خاصة للأئمة ولمراجع التقليد في غيابهم هؤلاء يفتون في أمر المستجدات – الصوفية قالوا بأن الصالحين ملهمون مكشوف لهم الحجاب مما يتيح لهم معرفة خاصة للتعامل مع كل الأمور وعلى الآخرين اتباعهم) …إن عصرنا الحالي يمتاز بإلغاء المكان عن طريق المواصلات، وإلغاء الزمان عن طرق الاتصالات مما يتيح لنا وسائل أفضل في التعامل مع هذه القضايا. الأسلوب الأمثل وتحديدية أو هيئات فنية ذات معرفة وتخصص في كل المجالات ذات دوراستشارى. واتخاذ هيئة أو هيئات تشريعية ذات تفويض شعبي للتداول بشأن المستجدات واتخاذ قرار بشأنها.
  • ينبغي أن نحدد أساسا واضحا للتعامل مع الآخر الملى في أوطاننا: …علينا إذن أن نقر عهد المواطنة وحق المواطنة كأساس للكيان الوطني، فالوطن لكل سكانه بموجب عهد المواطنة، ولكن هذا لا يتعارض مع الحقوق الدينية والثقافية للمجموعات الوطنية المختلفة مادامت لا تطالب بوضع ينتقص من حقوق المجموعات الأخرى.
  • النظام الدولي الحالي يقوم على أساس العهد الذي يقوم عليه نظام الأمم المتحدة. إنه نظام بالنسبة للمسلمين يعتمد على مرجعية إسلامية أساسية هي (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا) و(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم …) الآية.
  • هنالك منجزات حققها الغرب لا تتعارض مع أصول مبادئنا الإسلامية ولكن الفضل في تحقيقها وتكوين مؤسسات لاستدامتها يرجع للحضارة الغربية في المقام الأول تلك المنجزات ينبغي أن نستصحبها دون أدنى حرج , وأن نحدد مرابطها في مقاصد الشريعة الإسلامية :(الحرية الفكرية وحرية البحث العلمي – النظام السياسي الذى يقوم على رضا المحكومين ومساءلة الحكام ويحقق التداول السلمى للسلطة والخضوع العسكري للشرعية الدستورية – النظام الاقتصادي الذى يقوم على آلية السوق الحر لاسيما في مجال الاستثمار والإنتاج والتبادل التجاري – الالتزام بحقوق الإنسان على أساس أن الله كرمه وأوجب له حقوقا مقدسة.
  • لقد دار في مسألة المرأة جدل كبير. المرأة هي الوالدة والزوجة والأخت والبنت للرجل، والنساء في مفهوم الإسلام شقائق الرجال. والنصوص الإسلامية واضحة في مساواتها إنسانيا وإيمانيا. إن حقوق المرأة في الإسلام كانت طفرة تحريرية في ظروفها. أما الآن فإن حقوق المرأة العالمية قد بلغت مرحلة متطورة. التحدي الذي يواجهنا هو هل تستطيع المرأة أن تكون مسلمة وحديثة في آن؟ الجواب نعم.
  • الجهاد هو ذروة سنام الإسلام. والجهاد هو رهبانية أمة محمد صلى الله عليه وسلم والجهاد ماض إلى قيام الساعة. إن مادة جهد هي أساس الصلاح والفلاح والنجاح في كل مجالات الحياة، ولا يفلح الإنسان في أية حال إذا لم يبذل الجهد: لابد لنيل الشهد من إبر النحل. الجهاد في هدية الإسلام هوبذل الجهد كله للالتزام بأمر الله. إنه يبدأ دائما بإلزام النفس على الفضيلة، وهذا هو الجهاد الأكبر لأن فاقد الشيء لا يعطيه. ثم يتجاوز الإنسان نفسه إلى أسرته وإلى مجتمعه وعليه بذل الجهد كله وبكل الوسائل للالتزام بهدى الله. هذاالإلتزام يصير التزاما قتاليا في حالة فتنة الناس عن دينهم أي إكراههم على الخروج من دينهم. وفى حالة الدفاع عن النفس. أي دفاعا عن العقيدة ودفاعا عن الحياة (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير)

إن اتحاد الفهم بين كافة أهل القبلة حول هذه النقاط السبع واجب إسلامي.

  • الحوار بين الأديان:

أطروحة (نداء الإيمانيين) كأساس للحوار بين الأديان جاء فيها:

إن ضمير الإنسان الحالي كونته العقائد الدينية. والعقائد الدينية تفاعلت مع العطاء الإنساني لتتحف الإنسانية بعشرين حضارة وبعشرة ألف ثقافة إنسانية.

إن العقائد الدينية قد أعطت الإنسانية الطمأنينة النفسية، والرقابة الذاتية، والتحصين الأخلاقي، والهوية الجماعية.

إن قيمة الاعتقاد الديني والانتماء الثقافي للإنسانية ينبغي ألا تغفلنا عن الأضرار التي لحقت بالإنسانية نتيجة للتعصب الديني والانكفاء الثقافي. هذان العاملان – التعصب والانكفاء – أوقعا أصحابهما في ثلاثة أخطاء فادحة:

الخطأ الأول: اعتبارهم أن المعرفة كل المعرفة الإنسانية غيبية نقلية ورفضهم المعارف العقلية والتجريبية. هذا الخطأ جعلهم أعداء لتطور العلوم واكتشافاتها والأبحاث العلمية واستنتاجاتها

الخطأ الثاني: قاسوا ضرورة الالتزام الديني بالقيم الروحية والخلقية بالتزام مماثل أوجبوه في المعاملات الاجتماعية والسياسية.

الخطأ الثالث: اعتبروا أن الإخلاص لعقيدتهم يوجب نفى العقائد الأخرى ومواجهتها مواجهة دائمة.

وبعد استعراض لتاريخ الأديان وعلاقاتها التي اتسمت بالهدوء حينا وبالحروب أحيانا، والتحدي الكبير الذى يواجه الأديان في الألفية الثالثة فإننا ندعو إلى الاتي:

إننا في هذا المنحنى التاريخي من تطور الإنسانية جدير بنا أن نؤكد مرة أخرى أن الدين هام للحياة البشرية، وأن الهوية الثقافية جزء من تركيب المجتمعات الإنسانية. كذلك جدير بنا أن ندرك أن الإنسانية تخطت مرحلة الحداثة في حركة تطور لا رجعة منها إلى الوراء، بل تقفز عبر العولمة إلى عالم جديد لا يسعد إنسانه ولا يستقر حاله إذا لم يوازن بين مطالب الأصل ومطالب العصر.

إن التمسك بالتأصيل وحده معناه التمسك بوفاء لا مستقبل له، كما أن التطلع للحداثة والعولمة وحدهما معناه التطلع لمستقبل لا وفاء له

إننا من منطلق الحرص على وفاء له مستقبل، ومستقبل له وفاء، نؤكد تمسكنا بالميثاق الآتي نداء إنسانيا، وإقليميا، ووطنيا يهدى الإنسانية ويجنبها التدين المتعصب والانتماء الثقافي المنكفئ، والاندفاع في حداثة مستلبة وعولمة عمياء.

نداء الإيمانيين

اولا: الاعتقاد الديني ضرورة للإنسان: ضرورة للطمأنينة النفسية، وللرقابة الذاتية ولتحصين الأخلاق وللتماسك الاجتماعي وللهوية الجماعية. الإيمان حق إنساني اختياري لا يجوز إكراه الإنسان عليه ولا حرمانه منه. إن للحياة معنى روحي، وكذلك لها معنى خلقي، وهي معان نزلت بها رسالات الوحي أو تفتقت عنها الفطرة الإنسانية المتطلعة دائما لاكتشاف معاني الحياة الروحية والخلقية

إن الأديان هي المسئولة عن تعريف عقائدها. والمتطلعة دائما لاكتشاف معاني الحياة الروحية والخلقية

إن الأديان هي المسئولة عن تعريف عقائدها. وإن عقائدها كما تعرفها ينبغي أن تجد الاعتراف والاحترام. إن على المجتمع كفالة حرية العقيدة لأصحابها على أن يلتزموا بالامتناع عن فرضها بالإكراه أو نشرها بالقوة بل ان يلتزموا بالتعايش مع العقائد الأخرى ونشر العقيدة بالتي هي أحسن.

ثانيا: إن الهوية الحضارية والثقافية حق للإنسانية يجب احترامه وكفالته على أن تعترف الحضارات والثقافات ببعضها بعضا، وتسعى للقاح اختياري للإثراء المتبادل، والتواصل النافع لأطرافه.

ثالثا: حرية الفكر والبحث العلمي أساس لتقدم الإنسانية. إن على الإيمانيين احترام العقل الإنساني والحقائق التجريبية.

رابعا: إن للإنسان ضرورات ينبغي إشباعها بمعادلة متوازنة وإلا اختل مزاج الإنسان وقل عطاؤه … إن الالتزام الديني السوي يتخذ موقفا محيطا مدركا أن هذه الضرورات مرتبطة بفطرة الإنسان وينبغي توافرها في تربية الإنسان وفى حياته.

خامسا: إن النظام السياسي الذي يليق بكرامة الإنسان هو النظام الذي يكفل حقوق الإنسان كما نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بعد أن تتم تكملته بإضافة الحقوق الدينية والثقافية، ويكفل حريات الإنسان الأساسية. ويقيم السلطة السياسية على أساس انتخابي حر ومساءلة الحكام بواسطة المواطنين.

سادسا: إن اقتصاد السوق الحر هو الذي يحقق أعلى درجات التنمية الاقتصادية. على أن يراعى اقتصاد السوق الحر الرعاية الاجتماعية    المطلوبة للسلام الاجتماعي والرعاية البيئوية المطلوبة للأيكولوجية المستدامة

سابعا: لقد صيغت وثائق حقوق الإنسان العالمية في وقت لم تبرز فيه أهمية حقوق الروحية والخلقية والثقافية مما يوجب أن تراجع لتكملة النقص.

ثامنا: مسيرة الإنسانية أوقعت ظلما على بعض الشرائح الإنسانية: اضطهادا لونيا ونوعيا… وشرائح إنسانية مستضعفة لصغر سنها، أو لكبر سنها، أو لأنها معاقة. إن الضمير الديني والخلقي يتبنى إنصاف هذه الشرائح الإنسانية دعما للإخاء الإنساني. كذلك يتعرض العالم لكوارث طبيعية أومن صنع الإنسان.. إن على المنظمات الدينية أن تستعد دائما لاحتواء الكوارث والنكبات.

تاسعا: الأديان العالمية تدرك أهمية البيئة الطبيعية وضرورة رعايتها. والأديان الأفريقية تركز على التواصل بين أجيال الإنسان حاضرها وماضيها ومستقبلها، كما تركز على التواصل الوثيق بين الإنسان والبيئة الطبيعية. ينبغي إعطاء الاهتمام بالبيئة الطبيعية بعدا روحيا وخلقيا لتقديس المحافظة على كوكب الأرض وإعطاء البيئة الطبيعية عافية مستدامة.

عاشرا: لقد تعولمت أنشطة الإنسان المختلفة مواكبة لمقتضيات العولمة الحميدة. إن الحاجة ملحة لمؤسسة عالمية تكون منبرا للدراسات المشتركة والأبحاث في الأديان المقارنة والإحصاء والتوثيق، مما يثرى أدب الأديان المقارنة لا من زاوية أكاديمية ولكن من زاوية إيمانية مشغولة ببناء البعد الروحي والخلقي للعولمة وساعية لعمارة الكون بصورة موزونة.

  • حوار الحضارات:

مع بروز ظاهرة العولمة خرجت أصوات تتنبأ بصدام الحضارات مقروءة مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاها من احداث أدت إلى منطق جديد في العلاقات الدولية، عليه نقدم أطروحة بديلة لصدام الحضارات تتمثل في حوار الحضارات نقتبس منها الاتي:

لقد كانت العلاقات بين الحضارات عبر التاريخ غالبا تنافسية وأحيانا كثيرة عدائية. لكننا اليوم على مشارف القرن الحادي والعشرين ينبغي أن نتناول بحث العلاقات بين الحضارات على ضوء حقيقتين جديدتين هما:

الحقيقة الأولى: وجود عوامل كثيرة توجب الوفاق العالمي. هي: تكنلوجيا الاتصالات والمواصلات كفكفت أطراف العالم وجعلته متداخلا. المصلحة الأيكولوجية لكوكب الأرض توجب إيجاد خطة مشتركة لبيئة صالحة. تقريب وجهات النظر عالميا وإصدار مواثيق عالمية حول القضايا البيئية – النسوية – السكانية – والاجتماعية. علاوة على إجراء حوارات كثيرة ثنائية وجماعية عبر مؤتمر جميع الأديان وهي كلها للتسامح والتعايش.

إن في الإسلام ولدى كثير من المسلمين، بل غالبية المسلمين توجها تسامحيا يحترم كرامة وحقوق الإنسان ويسعى للتعامل مع الآخر الملى والدولي بالحسنى. كما أن فى الحضارة الغربية كثيرون يدركون مخاطر الهيمنة ويدركون أن مصلحتهم ومصلحة الإنسانية توجب التعايش من أجل مصير والمواصلات كفكفت أطراف العالم وجعلته متداخلا. المصلحة الأيكولوجية لكوكب الأرض توجب إيجاد خطة مشتركة لبيئة صالحة. تقريب وجهات النظر عالميا وإصدار مواثيق عالمية حول القضايا البيئية – النسوية – السكانية – والاجتماعية. علاوة على إجراء حوارات كثيرة ثنائية وجماعية عبر مؤتمر جميع الأديان وهي كلها للتسامح والتعايش.

إن في الإسلام ولدى كثير من المسلمين، بل غالبية المسلمين توجها تسامحيا يحترم كرامة وحقوق الإنسان ويسعى للتعامل مع الآخر الملى والدولي بالحسنى. كما أن فى الحضارة الغربية كثيرون يدركون مخاطر الهيمنة ويدركون أن مصلحتهم ومصلحة الإنسانية توجب التعايش من أجل مصير إنساني مشترك.

الحقيقة الثانية: لأول مرة في التاريخ صار الإنسان يمتلك أسلحة دمار شامل قادر على تحطيم العالم بحيث لن يكون في نهاية النزاع غالب ومغلوب كالمعهود في الحروب الماضية. لذلك صار التعايش والتوافق والحواريين الحضارات اليوم واجبا حياتيا.

إن علاقة الحضارة الغربية بالحضارة الإسلامية معقدة لأسباب أهمها:

  1. الحضارة الإسلامية تكمن فيها تيارات مشدودة إلى نجاحها القديم لدرجة تجعلها تظن أن استنساخ ما حدث تاريخيا ممكن. هؤلاء يسقطون نجاح الماضي على الحاضر فيشلون حركته..
    1. الحضارة الغربية الحديثة تعاملت مع الحضارة الإسلامية بدرجة عالية من الذعر لأنها الحضارة الوحيدة التي كادت تمتصها بسبب تفوقها الفكري والتكنولوجي والثقافي عليها في الماضي. كما كانت الحضارة الوحيدة التي هددت الحضارة الغربية في وجودها أكثر من مرة. لذلك صار التخوف من الإسلام والمسلمين شيئا عاديا في النفوس الغربية.
    1. الحضارة الغربية الحديثة تعاملت مع الحضارات الأخرى بدرجة كبيرة من التعالي وافتراض الدونية. وكان تعاملها مع المسلمين ظالما مهينا غدارا لم يراعوا فيهم إلا ولا ذمة. لذلك صار بغض الغرب وأهله في نفوس كثير من المسلمين.

وأخيرا بعض استعراض الموقف فإن الإمام حدد شروطا للتواصل الحضاري قائلا إن (ظاهرة التشدد الإسلامي في مجتمعاتنا. والتشدد الأصولي في غيرها من المجتمعات، وظاهرة الهيمنة الحضارية في الغرب تياران يبرران ويغذيان بعضهما بعضا ويدفعان بالإنسانية نحو الخصام والصدام. وظاهرة الاستنارة الإسلامية – والاستنارة عند أهل الحضارات المختلفة – وظاهرة الاعتدال الغربي تشكلان تياران يغذيان بعضهما بعضا ويبرران بعضهما بعضا. فإن تغلبا فإنهما يفتحان ابواب التواصل والحوار البناء ويمهدان لتنوير عالمي يبشر بمستقبل إنساني أفضل. شروط ذلك التواصل هي:

أولا: أن يدرك الغرب ويعترف بأن الحضارة الغربية الحديثة حضارة مركبة ساهمت كل حضارات الإنسان السابقة لاسيما الحضارة الإسلامية في تكوينها.

ثانيا: الاعتراف بأن الحضارات الإنسانية والثقافات الأخرى لها دورها فى فى بناء حاضر ومستقبل الإنسانية، ولا يجوز التعامل معها ككيانات منقرضة أو في طريقها للانقراض الوشيك.

ثالثا: التسليم بأن منجزات الحضارة الغربية الحديثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتكنولوجية التي نضج عودها في الغرب والصالحة لاستصحاب البشر لها في كافة البلدان، سيتم استصحابها برؤية ذاتية لا بالإكراه، والرؤية الذاتية هذه تشتمل على أقلمة ثقافية واجتماعية تحددها الشعوب المعنية باختيارها.

رابعا: إدراك أن الظلم الاجتماعي على صعيد الدولة الواحدة مثل الظلم الاجتماعي على الصعيد العالمي. كلاهما يقوض الاستقرار والسلام. إن إزالة الغبن التنموي عن عالم الجنوب والسعي الحثيث لدعم التنمية في عالم الجنوب المتخلف ضرورات لحفظ السلام العالمي.

خامسا: إقامة علاقات حوار إيجابية بالحضارات الأخرى على أساس التعلم المتبادل.

سادسا: التوصل عن طريق حوار متكافئ قدر المستطاع للاتفاق على غايات إنسانية وأيكولوجية مشتركة

سابع: إدراك أن الغرب قد كان سببا أساسيا في تكوين عدد من بؤر النزاع الساخنة ومهما كانت مسئولية الأطراف المحلية عن استمرار تلك البؤر الملتهبة فإن اعتراف الغرب بدوره في تكوينها واستعداده للقيام بدور تكفيري في علاجها أمر هام وعتبة نحو علاقات دولية سلمية وسوية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى