الحرب العبثية مظهر من مظاهرالفساد المؤدي إلى خراب العمران
الحرب العبثية مظهر من مظاهرالفساد المؤدي إلى خراب العمران

بسم الله الرحمن الرحيم
الحرب العبثية مظهر من مظاهرالفساد المؤدي إلى خراب العمران
عبدالمحمود أبّو
الحرب عندما تكون لهدف غير مشروع، دافعها الهوى والظلم وخيانة العهد، وانتصارا للذات؛ تعتبر مظهرا من مظاهرالفساد، قال تعالى:(( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ))،
وعَنِ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: ” أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ! خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ:-
1-لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا.
2-وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ.
3-وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا.
4-وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ.
5-وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ”
رواه ابن ماجة والطبراني والحاكم
لقد مرت الأمم بحروب كثيرة قَطَّعت الأوصال وخَرَّبت الديار، وقضت على الأخضر واليابس، وفي عالمنا المعاصر قامت أشهر حربين عالميتين مات فيهما ما يقارب الخمسين مليونا، ولكن الحياة استمرت بعد ذلك بفضل سعة أفق قادتهم، الذين استطاعوا أن يحولوا المحنة إلى فرصة بعثت الأمل وأسست لنظام يمنع تكرار ما حدث مستقبلا، وصدق فيهم ما قاله سلفنا:
عَن الْمُسْتَوْرِدِ الْقُرَشِيِّ أَنَّه قَالَ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ» فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ، قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ، إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ”
لقد رأوا آثار الحروب الدينية والعرقية وحروب المطامع فاتعظوا وأدركوا أن سبب كل ذلك فساد النظم الحاكمة، فقرروا القضاء على فساد الدولة بالآتي:
أولا:وضعوا مواثيق ملزمة تعلي من كرامة الإنسان وتحافظ على حياته وحقوقه وحريتاته، وجعلوا من السلطة خادمة للإنسان لا العكس
ثالثا:أسسوا الدولة على أجهزة تشريعية وتنفيذية وقضائية؛ يحكمها دستور صارم حدد اختصاصات كل جهاز ومهامه مع الفصل بينها لتؤدي عملها دون تأثير
رابعا:حددوا الأجهزة التي تحتكر استعمال العنف القانوني، ووضعوا لها قوانين صارمة تحد من انحرافها واستغلالها ضد المواطنين وأخضعوها للسلطة المنتخبة من الشعب، والبرلمان المنتخب هو صاحب الاختصاص في إعلان الحرب وفرض حالة الطوارئ إذا توفر مقتضاهما، ولا يتم ذلك إلا بعد معلومات دقيقة ودراسة متأنية وتقييم حقيقي يوازن بين المفاسد والمضار والمآلات
خامسا: أصبح نظام الحكم خادما للمواطن بحيث تصله احتياجاته وينال حقوقه بسهولة ويسر بدون محسوبية أو دفع رشوة؛ بل إذا لم يعرف المواطن حقوقه فإن موظف الدولة ينبهه ويساعده للحصول عليها
سادسا:تجاوزت المجتمعات في هذه الدول كل مظاهر العصبية والاحتماء بالقبيلة والتمييز الطبقي والنوعي حيث صارت المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات، واستطاعوا بهذه النظم محاربة الفساد المنظم، ومحاصرة الفساد الفردي بالقانون
سابعا:إن فقه الاستخلاف والائتمان على مقومات الحياة، والعمران؛ مبثوثة مبادئه في نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة وتجربة الخلافة الراشدة، تتضمنه الآيتان الكريمتان من سورة النحل:((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ))
فهل نجعل من المحنة فرصة لتصحيح أخطائنا وإعادة تعمير النفوس والبلاد بمنهج جديد؟