الأحداث

 الثقة بالله ملاذ النفس المطمئنة

 الثقة بالله ملاذ النفس المطمئنة

كتب  الامير د. عبدالمحمود ابو

 الثقة بالله ملاذ النفس المطمئنة

  للكون خالق مدبر عليم بأدق تفاصيله، وفيه مخلوقات لا يعلمها إلا الله، وكوكبنا ضمن المجموعة الشمسية التي تعتبر أصغر مجموعة مقارنة مع المجموعات التي اكتشفها العلم، وهنالك أكوان وفضاءات لا يعلمها إلا من خلقها كما تقول نظرية الكون المتمدد، قال تعالى:(( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)).

 خلق الله الإنسان لوظيفة محددة قررها قبل خلقه، هي أمانة التكليف، التي لا تتحقق إلا بالتزكية، والاستقامة، والائتمان على مفردات الكون وفق المنهج الذي تدرج مع أول رسل الله، واكتمل بالرسالة الخاتمة التي يحمل منهجها القرآن الكريم، والقرآن هو قناة التواصل بيننا وبين الله سبحانه وتعالى، فما هي رسالة الله لنا عن طريق القرآن لتطمئن نفوسنا وتقوى على مواجهة تقلبات الحياة وعنفوان صدمتها؟

● أولا:الإدراك بأن هذه الدنيا دار ممر وليست دار مقر، وعليه مطلوب منا ألا نتعلق بها تعلقا ينسينا مطلوبات وظيفتنا والمصير الذي ينتظرنا، فالدنيا إلى زوال علينا ألا نغتر بما يحدث فيها من عمران وزخارف؛ قال تعالى:(( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)).

● ثانيا:منغصات الحياة كثيرة في الدنيا، لذلك علينا أن نوطن أنفسنا على التعامل مع كل المتغيرات، وقد خلقنا الله سبحانه وتعالى من طين ونفخ فينا من روحه، فحياتنا معرضة لنزعات نفسية حتمية لخصها الحقاني طيب الله ثراه في لوحة معبرة بقوله:((الإنسان معرض لنزعات نفسية حتمية؛ يحزن فيسوَدُّ أفقه، ويكره فتضيق دنياه، ويفرح فيطيش صوابه، ويحب فيهيم هياما،وينسى واقعه فيعيش في الخيال، ويخلد إلى الواقع فيقتله الملل)) ونجاته في قوله تعالى:(( لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ)).

● ثالثا: كل ما يواجهه الإنسان في حياته، هو إمتحان له واختبار ليظهر كيف يكون موقفه؟ فالصحة امتحان والمرض امتحان والغنى امتحان والفقر امتحان وكل المتقابلات التي يتعرض لها الإنسان تدخل في باب الاختبار قال تعالى:(( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)). والإنسان لا يدري مصلحته في أي منهما فقد يظن مصلحته في الغنى وقد يكون سبب هلاكه، ولذلك اتبع الإمام المهدي عليه السلام منهج التفويض وسؤال الله أن يعطينا القدرة على تحمل ما يرضيه، فقال يناجي ربه:((وقد فوضنا أمرنا إليك فأحسن حالنا فيما يرضيك)) وسأل الله أن يعطيه طاقة الصبر على الشدائد والمشاق رغبة في دوام القرب والتلاق فقال:((وقوِّ نورنا ليهون علينا ذلك واجعل لنا قوة منك على تحمُّل ما يرضيك)) ولولا الابتلاءات لادعى الكل الإيمان والصلاح قال تعالى :(( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ  وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)).

● رابعا:الإنسان هو محور الاستخلاف ولذلك جاءت كل أحكام الإسلام محققة لمصلحته، وجعل الله له حرمة تفوق حرمة المقدسات فللكعبة حرمتها المعروفة ولكن حرمة الإنسان تفوق حرمتها كما نطق بذلك المعصوم صلى الله عليه وسلم، وقد حرم الله كل ما يؤذيه فحرم السخرية، والهمز واللمز،والغيبة، والنميمة، بل وسوء الظن، فكيف بمن يزهق الروح، قال صلى الله عليه وسلم:((لا يَزَالُ العبدُ في فَسْحَةٍ من دِينِه ما لم يُصِبْ دَمًا حرامًا)) وقال تعالى:(( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)).

● خامسا:لتحقيق وظيفة الاستخلاف أعطى الله سبحانه الإنسان المقومات التي تمكنه من أداء وظيفته مثل العقل، والعلم، والطاقة، والقدرة، والارادة، وغيرها من الخصائص التي يتمتع بها الإنسان، ولكنها محدودة وقاصرة وقد تتخلف عن تحقيق مقاصدها إذا لم يحالفها التوفيق من عندالله:

إِذا لَم يَكُن عَونٌ مِنَ اللَهِ للِفَتى

فَأَكثَرُ ما يَجني عَلَيهِ اِجتِهادُهُ

لذلك من كمال الإيمان أن يأخذ الإنسان بالأسباب ويطلب من الله العون والتوفيق، فكل الخصائص التي منحها الله لنا تفضلا منه قادر على سلبها فلا نغتر، قال تعالى: ((قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ)).

● سادسا:استحضار عظمة الله في كل مواقفنا وحركاتنا وسكناتنا يحقق لنا المعية، ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) ومعية الله تحول المحن إلى منح، وفي عتمة الشدة تلوح الفرص وأمامنا الأمثلة: فيونس عليه السلام التقمه الحوت، ((فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ   فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)) وأيوب عليه السلام مسه الضر (( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ  فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)) ويوسف عليه السلام تآمر عليه إخوته فكانت النتيجة (( وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)).

● المهم هو فقه التعامل مع المحن بمنهج الله فهو القائل:(( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)).

● سابعا: عندما تشتد الأزمات، وتضيق الفرص،ويعجز المخلوق، فإن ضعيف الإيمان يتزلزل، وصاحب الغرض يتوعد، والمؤمن يطمئن لأنه تجرد من حوله وقوته وفوض أمره لخالقه، وكل موقف من مواقف هؤلاء سجله القرآن قال تعالى:(( إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)) وقال تعالى :(( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)) وقال عن الذين امتلأ قلبهم بالإيمان:((فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)).

إن الاعتماد على الله هو المخرج من كل أزماتنا فلا حول ولا قوة لنا إلا به، ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.

يَا صَاحِبَ الهَمِّ إنَّ الْهَمٍَ مُنفَرِجٌ

أبْشٌرْ بِخَيْرٍ فَإنَّ الفَارٌجَ اللهُ

اليَأْسُ يَقْطَعُ أَحْيَاناً بِصَاحِبِهِ

لاَ تَيْأسَنَّ فَإنَّ الكافِيَ اللهُ

اللهُ يُحْدِثُ بَعْدَ الْعُسْرِ مَيْسَرَةً

لاَ تَجْزَعَنَّ فَإنَّ الصَّانٌعَ اللهُ

إِذَ ابُلِيتَ فَثِقْ بِاللَّهِ وَارْضَ بِهِ

إنَّ الذِي يَكْشِفُ البَلْوَى هُوَ اللهُ

واللهِ مَالَكَ غَيْرُ اللهِ مِنْ أحَدٍ

فَحَسْبُكَ اللهُ فِي كُلٍّ لَكَ اللهُ

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى