عام

الأصول المايزة وأوجه التقارب

الأصول المايزة وأوجه التقارب

جماعة الفكر والثقافة الإسلامية

الجماعات الاسلامية فى السودان

الأصول المايزة وأوجه التقارب

رؤية هيئة شئون الأنصار

تقديم : عبدالمحمود أبو

بسم الله الرحمن الرحيم

        الاسلام جاء دينا خاتما للرسالات قبله, متضمنا لأصولها , ومتميزا عليها بالختام والعموم وصلاحية أحكامه لكل زمان ومكان, والاسلام جاء دينا وسطا موفقا بين الثنائيات التى شغلت الفكر الانسانى عبر تاريخه الطويل: الروح والجسد, العقل والنقل, الدنيا والآخرة, الظاهر والباطن..الخ لقد جاء الاسلام بمفاهيم تبطل العقائد التى تحتقر الانسان أو تميز بينه وبين أخيه بسبب العرق أو اللون أو النوع , إنها مفاهيم تعطى دورا للانسان , فالتكليف شرطه العقل, والأحكام الشرعية معقولة المعانى, ولبى الاسلام مطالب الانسان الفطرية , والمسلم مطالب أن يستفتى قلبه وإن أفتاه الناس وأفتوه, والمسلم فى الاسلام لايكون متلقيا دون فهم وإنما عليه أن يقتنع بما يعتقد وله مطلق الحرية فى الأعمال التى يقوم بها حتى يكون الحساب عادلا. الأصول المايزة وأوجه التقارب

        لقد أنزل الله سبحانه وتعالى كتابا مقروءا وخلق كونا منظورا يقوم على سنن وقوانين ونواميس والعقل الانسانى مطالب باكتشافها وتسخيرها ليستفيد منها فى مصالحه , فالتعقل والتفكر والتدبرمطالب اسلامية وواجبات شرعية قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 164] والاسلام يسمح بالاجتهاد وتعدد الآراء ففى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم اختلف الصحابه فى حضرته فأقرهم على ذلك, ومع تعاقب الأزمان وتعدد البيئات وظهور المستجدات انقسم المسلمون إلى فرق وجماعات ومذاهب , واختلفت تصوراتهم حول طبيعة هذه الاختلافات : فمنهم من تفهمها وتعامل معها على أساس الاختلاف النوعى , ومنهم من اعتبرها اختلافا جوهريا يخرج أصحابه من الملة ومنهم من احتار فيها.

        إن الدعوة المهدية فى السودان تعاملت مع الفرق والجماعات الاسلامية على أساس أنهم أهل قبلة وأن كل جماعة تشبثبت بجانب من الحق وأن واجبها أن تجمع الحق الذى تفرق بين الجماعات , فدعت للالتزام بالكتاب والسنة وترك الطرق والمذاهب لأن منبعها واحد , والمرحلة تقتضى التوحد ورفع الخلاف , ولبيان مفهوم الدعوة المهدية فى السودان وعلاقتها بالدعوات الأخرى نقول:

المهدية فى تصورات الاسلاميين:

توجد ثلاث دعوات شيعية هى: السبعية ، والاثني عشرية والزيدية- وأربعة دعوات سنية – ودعوتان صوفيتان- (باعتبارأن التصوف موجود عند السنة والشيعة) ودعوة مهدية فلسفية فتلك عشر مدارس إسلامية للدعوة المهدية,

المهدية فى السودان:

        أن دعوة الإمام المهدي بن عبد الله اتفقت مع تلك المدارس فى الاسم واختلفت معها فى تصورها لطبيعة المهدية على النحو التالى:

  • تختلف عن مهدية الشيعة التي ربطت الدعوة بسلسلة نسب معينة- علي بن أبي طالب فالحسن فالحسين والإمام المهدي هوالإمام السابع عند السبعية وهو الإمام الثانى عشر ( محمد الحسن العسكري) عند الاثني عشرية.
  • تختلف عن مهدية السنة، إذ أنهم يربطونها بزمان معين( آخر الزمان أو إمام القرن).

دعوة الإمام المهدي غير مربوطة بزمان معين ومن الشواهد على ذلك أن الإمام المهدي عين خلفاء له ، هم خلفاء لخلفاء الرسول (ص) أي أنه قدرأن الزمن ممتد بعده (خليفة الصديق ، خليفة الكرار…الخ). ثم وضع قاعدة فيها تطاول الزمن وتغير الأحوال حيث قال ( لكل وقت ومقام حال ولكل أوان وزمان رجال). فهي إذن دعوة لا يقيدها الزمان ولا أحكام النسب ولكنها مربوطة بوظيفة معينة هي: إحياء الكتاب والسنة المقبورين حتى يستقيما. السؤال الذي يخطر بالبال هل يمكن أن يعني هذا أن كل من استطاع تحقيق ذلك هو مهدي؟ ونجيب بالنفي وذلك لأن الإمام المهدي قد تمكن من فعل شيء غير مسبوق وغير متكرر وهو أنه تمكن من أن يكون في مركز يستطيع بموجبه إلغاء المفرقات من مذاهب وطرق وفرق, وقد تفرد بذلك لبلوغه المركز الروحي الذي أهله لذلك الفعل، إنه موقف توفر له ظرفان: آنس في نفسه البحث عن هذا وسمع صوتا غيبيا يؤيده فاندفع في هذه الدعوة والتي بقيت قوية وشابة حتى بعد أن انقشعت دولتها.هذه الدعوة تمثل مدرسة جديدة للمهدية ,اهتمت بالأسس النقلية وتناولت كل الأحاديث المذكورة عن المهدية ثم أنها لا شك لبت حاجة فورية للمسلمين . استطاعت الجمع بين الحقائق في كل الفرق والمدارس والمذاهب الإسلامية: الأصول المايزة وأوجه التقارب

  • قالت بضرورة الالتزام بالكتاب والسنة وهو المبدأ الأساس لأهل السنة.
  • تحدثت عن الجذور الروحية للتكاليف الدينية وتقول: إن لكل التكاليف والأحكام أغوارا وأعماقا روحية، وهذا قول الصوفية.
  • تحدثت عن أن للقيادة الدينية دورا أساسيا ومحوريا وعند الشيعة أيضا الإمام ليس مجرد قائد بل له صفة روحية ولذلك يقولون الإمامة خلافة لنبوة متصلة.
  • كثير من المدارس العقلانية الإسلامية ترى ضرورة الاجتهاد وتجدد الأحكام لمخاطبة المستجدات وفي المهدية تجاوب أساسي مع هذا بحسب قاعدة ( لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال).
  • لقد تحدث الإسلام الحركي عن ضرورة الجهاد والمهدية قد أحيت هذه الفريضة.
  • المبدأ الذي ينادي به الصحويون الإسلاميون من ضرورة الشورى والاجتهاد هو مبدأ قائم في المهدية .

ملخص ذلك : أن هذه الدعوة جمعت كل نقاط القوة والحقيقة في كل المذاهب والفرق الإسلامية المختلفة وجردت الفكرة المهدية من الشروط الكهنوتية التي ترتبط بالزمان والمكان والنسب وأعطتها بعدا وظيفيا هو المبرر الداعم والمفسر لهذه المدرسة.

ونستطيع أن نخلص لوصف الدعوة بالآتي:

  • اجتهاد دون مذهبية.
  • تصوف دون تطرق: من يطلع على راتب الإمام المهدي يجد فيه زبدة التصوف  دون تطرق ولا يجد فيه أي معنى يدل على أن صاحب الراتب يدعي أنه ينفع أو يضر ، بل على العكس من ذلك تجده يحقر نفسه وهو عبد ذليل لا يساوى أي شيء إن لم يتولاه ربه بالعناية، بينما نجد كثيرا من أصحاب الرواتب يعززون مكانتهم بالادعاءات وذلك ليضمنوا ولاء أتباعهم لهم.

توجد في الراتب سبعة معان لا يتعداها:

1/ الانكسار أمام الله ( فإنى حقيرأرجو من فضلك العظيم)

2/ آيات مختارة من القرآن الكريم.

3/ دعوات مأثورة عن الأنبياء والمرسلين.

4/ الاقتداء بسيدنا محمد ( ص).

5/ تعظيم القرآن.

6/ تعبئة روحية للجهاد.

7/ دفع استحقاق هذه التعبئة الروحية على أساس الزهد في الدنيا والاستخفاف بها والخشوع في الصلوات والتشوق للقاء رب العالمين.

وهو تصوف دون تطرق لأنه يعطيك مياها نقية مصفاة لتشرب منها ولكن أنت من يفعل ذلك.

وأحقية القيادة في الدعوة المهدية تتقرر حسب ( من تقلد بقلائد الدين ومالت إليه قلوب المسلمين)، وهذا ما قد كان ، إذ لم ينل أحد وظيفة فيها إلا باجتهادات معينة, مثلا عندما كان الأنصار يناقشون مسألة من هو الأكثر أحقية بتولي إمارة الشرق؟ وذكر الطاهر المجذوب ، انبرى أحد الأنصار قائلا للإمام المهدي(هل الدعوة فروة وسبحة أم حزما وعزما؟ رد عليه الإمام قائلا هي: الأربعة مجتمعة ، فروة وسبحة وحزم وعزم) فرشح عثمان دقنة للمنصب.وما يؤكد ذلك المعنى هو أن أشد منشورات الإمام المهدي وضوحا هو المنشور الذي أصدره في حق الأشراف عندما ظن أن أهله يريدون اتخاذ هذه الصفة للتقدم فقال( من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه)

دعوة الإمام المهدي دعوة التزمت بالقطعيات دون التزام بتفاسير واستنباطات الأقدمين وقد حولت الزهد الذي يميز التصوف من الانكفاء إلى عمل فدائي لتغيير الدنيا وقد أعطت الدعوة مفاتيح لتطوير القيادة والأحكام ، فكان مفتاح تطوير القيادة هو: من تقلد بقلائد الدين ومالت إليه قلوب المسلمين. ومفتاح تطوير الأحكام هو: لكل وقت ومقام حال ولكل أوان وزمان رجال. الأصول المايزة وأوجه التقارب

والمعاني السابقة هي المعاني التي أتحفت بها الدعوة المهدية الفكر الإسلامي وتمكنت بها من تحقيق الدور التاريخي المشهود.

مرتكزات الدعوة المهدية:

        المهدية في السودان جاءت بمدرسة جديدة تعتبر ثورة على الفكر الإسلامي التقليدي وتلك المدرسة تتمثل في الآتي :-

  1. الالتزام بالكتاب والسنة فقط باعتبارهما المرجع الأول في التشريع
  2. عدم التقيد بالمذاهب باعتبارها فرقت الأمة وابعدت الناس عن روح الدين
  3. التمييز بين الثابت والمتغير على أساس( لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال)
  4. النظرة العميقة للإسلام باعتباره تجسيدا حيا في الواقع وليس نصوصا وشارات (أنا عبد مأمور بإحياء الكتاب والسنة المقبورين حتى يستقيما.
  5. تجاوز الخلافات التاريخية بين السنة والشيعة وبين العقل والنقل وبين الحقيقة والشريعة باعتبار أن الإسلام يوفق بينها (توحيد أهل القبلة )
  6. إحياء فريضتي الجهاد والاجتهاد إذ لا حيوية للإسلام إلابهما
  7. 7-    إن البعث الإسلامي المنشود لا يتحقق إلا بمنهج واضح محدد المعالم

 منهج الدعوة الانصارية:

( أ ) فهمها للاسلام:

 جاء الإسلام ديناً خاتماً للرسالات قبله متضمناً لأصولها ومعترفاً بنسبتها لله ، فالدين واحد هو الإسلام جاء به كل المرسلين والاختلاف إنما هو اختلاف فى التشريعات مراعاة لاختلاف الزمان وتغير ظروف المكان .. قال تعالى :” شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ” [الشورى:13]

والمجتمع الإنساني مر بنفس المراحل التي يمر بها المولود : مرحلة الطفولة ثم مرحلة الشباب ثم مرحلة اكتمال العقل . فلما وصلت البشرية مرحلة النضج جاءتها رسالة الإسلام الخاتمة, وفي فهم أنصار الله أنها جاءت ملبية لكل حاجات الإنسان المشروعة ومستجيبة لكل مطالبه الروحية والمادية والعقلية والخلقية والمعرفية والذوقية والفنية والرياضية والاجتماعية والبيئية .. فليس هنالك تناقض بين الفطرة السليمة وبين الإسلام ـ لأن الإسلام نفسه دين الفطرة ” فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” [الروم:30] . ولا يوجد تناقض بين مبادئ الإسلام وبين استنتاجات العقل, فالعقل شرط فى التكليف بدليل عدم مؤاخذة الصبى والنائم والمجنون, إنه دين أقر للإنسان مطالبه وأباح له إشباع رغباته بصورة منضبطة ومتوازنة .. قال تعالى:” قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ”  [الأعراف: 32] الأصول المايزة وأوجه التقارب

لقد كرم الإسلام الإنسان تكريماً لم يجده في أي دين آخر فهو مكرم لمجرد إنسانيته بغض النظر عن عقيدته أو لونه أو عرقه .. قال تعالى:” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً” [الاسراء:70] .

إن الإسلام لم ينزل ليفرض على الناس مفاهيمه بالقوة بل ترك للإنسان حرية الاختيار ” وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ”  [الكهف: 29] والرسول صلى الله عليه وسلم مهمته محددة  بالبلاغ فحسب إن آمن الناس كان خيرا ، وإن لم يؤمنوا فليس عليهم بمصيطر .لأن الله سبحانه وتعالى خلق الناس أحرارا. قال تعالى:” وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ”  [يونس: 99] وقال :” لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ..” [البقرة:256]

إن الناس في الدنيا متساوون في الحقوق والواجبات وهم  أمام القانون والشرع سواء فلا أفضلية لأحد على آخر بسبب اللون أو الجنس أو العرق أوالدين والتمييزوالتفاضل يكون عند الله علام الغيوب.. قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” [الحجرات:13]

والحرية شرط أساسي في التكليف فلا قيمة للحساب إذا لم يكن المحاسب حراً ولا يملك أحد في الدنيا حق توزيع صكوك الغفران للناس والحكم عليهم بدخول الجنة أو النار .. إن هذا الحق يملكه الله سبحانه وتعالى وحده إن شاء غفر لهم جميعاً وإن شاء عذبهم جميعاً وإن شاء أدخل بعضهم الجنة وأدخل بعضهم النار .

إن الخطوة الأولى للبعث الإسلامي هي الفهم الصحيح للإسلام وتقديمه للناس كما أنزله الله بأسلوب حكيم مجرد من الغرض وخال من التنفير  قال تعالى: [النحل:125] الأصول المايزة وأوجه التقارب

( ب )  توحيـد أهـل القبلـة:

دعت الأنصارية إلى توحيد أهل القبلة ، وأهل القبلة هم كل من نطق بالشهادتين وآمن بالبعث وأقر بتعاليم الإسلام على الجملة . فالناس تتفاوت درجاتهم والتزاماتهم فالمطلوب هو الالتزام بالأصول ولا يضير اختلاف الاجتهادات في الفروع ما دامت كلها تصب في مصلحة الإسلام والمسلمين . إن الاختلافات الفكرية والمذهبية والسياسية ضرورة لأن الحقيقة الكاملة لا يملكها إلا الله سبحانه وتعالى وقد وزعها على عباده بنسب متفاوتة ليتكاملوا حتى وهم يتصارعون .. فالاختلاف نفسه ليس عيباً وإنما العيب هو أن يتحول الاختلاف بين المسلمين إلى تعصب واتهام للآخر بالكفر والزندقة لمجرد المخالفة في الرأي . إن أنصار الله يعتبرون الاختلاف بين المسلمين في الفروع هو اختلاف تنوع وليس اختلاف تصادم, وله أسباب موضوعية تجعله ضرورة , وهناك أسباب واقعية ساهمت في تعدد المدارس الفكرية والمذهبية في ديار الإسلام . إن التعدد في الكون مطلوب والتوحيد خاص بالذات الإلهية, والرسول صلى الله عليه وسلم في عهده تعددت أراء أصحابه فأقرهم عليها والوحي ينزل. فقد اختلفوا فى كيفية التعامل مع أسرى بدر واختلفوا حول صلاة العصر في بني قريظة وروى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( أرحم هذه الأمة بها أبو بكر ، وأقواهم في دين الله عمر، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأقضاهم علي بن طالب ، وأصدقهم حياء عثمان بن عفان ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ، وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعـب ، وأبو هريرة وعـاء من العلـم ، وسلمان عالم لا يدرك ، ومعاذ بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه ، وما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ))[1] فالاختلاف ضرورة لاستيعاب الاجتهادات وتنوعها في كل جزئية من الجزئيات .. قال تعالى : ” وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴿118﴾ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ” [هود:118-119] وتوحيد أهل القبلة لا يعني أن يكون فهم الناس متطابقا في كل صغيرة وكبيرة وإنما يعني اتفاقهم على الآتي :

1 /  توحيد الله .

2 /  الاتفاق على الكليات .

3 /  الالتزام بقطعيات الشريعة .

4 /  عدم التكفير للمخالفين في الرأي .

5 /  نصرة المظلوم .

6 /  التسامح بين الجماعات المختلفة .

7 /  عدم فرض الرأي بالقوة .

8 /  الاتفاق على مؤسسة تمثل فيها كل االجماعات والتخصصات لتداول الآراء المختلفة وتكون المرجعية للاجتهاد.

 إن توحيد أهل القبلة إذا تحقق سوف يجنب المسلمين كثيراً من المشاكل التي جرها عليهم التعصب وسوف يتهيأ المناخ للانطلاقة الإسلامية الكبرى بوعي وإدراك إن شاء الله . الأصول المايزة وأوجه التقارب

( ج )  مرجعيـة التشـريع:

إن الأنصارية تعتبر أن الملزم من التشريع الإسلامي هو ما كان قطعي الورود وقطعى الدلالة .. فالقرآن كله قطعي الورود وبعض آياته قطعية الدلالة أي أنه كله موحى به من عند الله كلمة كلمة وحرفاً حرفا ومعظم كلماته آيات محكمات هن أم الكتاب وبه كلمات متشابهات تحتمل أكثر من معنى . والسنة ما كان منها وارداً عن طريق التواتر وثبتت صحة نسبته إلى رسول الله فهو قطعي الورود وما لم تصح نسبته إلى رسول الله يقاس على القرآن ـ والسيرة النبوية تعتبرترجمة وتجسيدا لتعاليم الإسلام . إن القرآن الكريم والحديث الصحيح والسيرة الثابتة كلها مصادر للتشريع ملزمة . أما التفاسير والاجتهادات الفقهية والآراء الفكرية التي قال بها العلماء فهي للاستنارة والاستصحاب والاستفادة .. فما كان منها أقرب إلى قطعيات الإسلام ومقاصده ويتلاءم مع ظروف عصرنا أخذنا به وما كان مرتبطاً بزمن محدد وأملته ظروف معينة ولا يحقق المقصد الإسلامي المطلوب في عصرنا تركناه . الأصول المايزة وأوجه التقارب

وقد وضع الإمام المهدي عليه السلام في هذا المعنى القاعدة الذهبية: 
” لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال ” فأنصار الله لا يتقيدون بمذهب معين وإنما مذهبهم الكتاب والسنة التزاما بقوله صلى الله عليه وسلم : (( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً كتاب الله وسنتي)) .

( د )  التعامل مع غير المسلمين:

        إن غير المسلمين هم أخوتنا في الإنسانية وعليه فإن نهج أنصار الله في التعامل معهم يقوم على الآتي :

1 ـ  التعاون معهم في القضايا الإنسانية مثل: إزالة آثار الكوارث الطبيعية والمجاعات والمحافظة على البيئة والتعاون الدولي لحفظ السلام والأمن وتبادل المنافع معهم والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم ومشروعية ذلك تص عليها القرآن الكريم في قول الله سبحانه وتعالى : ” لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ” [الممتحنة:8] ومعاملة الرسول صلى الله عليه وسلم معهم فيها مافيها من البعد الانسانى فعندما أصيبت مكة بالمجاعة أرسل رسول الله خمسمائة دينار ذهبي لأبي سفيان ليوزعها على فقراء مكة . الأصول المايزة وأوجه التقارب

2 ـ  معاملتهم بالحسنى وعدم الإساءة إلى معتقداتهم مع الإقرار بتحريفها, فقد أمر الإسلام أن يجادَلوا بالتي هي أحسن بل نهى عن سب آلهة الوثنين .. فقال تعالى: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأنعام:108] الأصول المايزة وأوجه التقارب

3 ـ  اتخاذ أسلوب الحوار معهم .. إن حجتنا هي الأقوى فقد ورد ذكر رسول الله وصفاته في كتبهم وبشر به أنبياؤهم . وكتابنا نصه موحد ومتفق عليه من جميع المسلمين ولا يوجد تناقض بين تعاليمه وبين الحقائق العلمية والمعارف الإنسانية التي توصّـل إليها الإنسان ، بينما كتبهم متعددة ومتناقضة ومنسوبة إلى مؤلفيها ولم تنسب لله سبحانه وتعالى. ورسولنا صلى الله عليه وسلم هوالوحيد من بين المرسلين أوراقه الثبوتية معروفة فأسرته من جهة الأب والأم معروفة وتاريخ ومكان ميلاده معروفان, وحاضنته ومرضعته معروفتان, ومعروف أين تربى وأين مات بل سيرته كلها مدونة ومحققة ولا يوجد تناقض بين المسلمين حول سيرته, فهذه الحجج الدامغة والمفاهيم الواضحة تعطينا أقوى سند مقابل أطروحات الآخرين .. فالحوار هو أفضل أسلوب للتعامل مع غير المسلمين ولنشر الإسلام بصفة عامة .

4 ـ  التعايش معهم والتنافس سلمياً .. إن الإسلام هو دين التسامح والاعتدال ومفاهيمه تعتمد على الحجة ومخاطبة العقول .عليه فإن أسلوب التعايش مع غير المسلمين والتنافس هو الأجدى والأنفع للإسلام حيث تظهر حجته ويبرز منطقه أمام حجج الآخرين ومنطقهم . الأصول المايزة وأوجه التقارب

(ه) نظام الحكم في الإسلام:

        لقد عرف المسلمون عدة أنظمة تعاقبت عليهم بعد موت رسول الله وإلى يومنا هذا ، بدأت بالخلافة الراشدة ثم الخلافة الموروثة ثم الملك العضوض, وعرف المسلمون عدداً من نظم الحكم في العصر الحديث مثل الديمقراطية ونظام الحزب الواحد والحكم العسكري والنظام الملكي وغيرها ـ والسبب في تعدد أنظمة الحكم هو أن الإسلام لم يلزم المسلمين بشكل معين للحكم وإنما حدد مبادئ عامة وقواعد شرعية ومقاصد, وترك للمسلمين تطبيقها وفق ظروف زمانهم
ومكانهم .

إن النظام الإسلامي يقوم سياسياً على الشورى والحرية والعدالة والمساواة والوفاء بالعهد ـ واقتصادياً على الإنتاج والعدالة في توزيع الثروة والتكافل وتحريم الاستغلال والربا والكسب دون جهد ـ ويقوم اجتماعياً على الإخاء والتعاون والرحمة . الأصول المايزة وأوجه التقارب

إن النظام الذي يقوم على النيابة في الحكم والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ويسمح بتداول السلطة سلمياً ويحقق الرقابة على المسئولين والحكام ويتيح الفرصة لمساءلتهم ومحاسبتهم على تصرفاتهم هو النظام الديمقراطي عليه فإن الأنصار يعتقدون أن النظام الديمقراطي في ظله تتحقق فرائض الإسلام السياسية. فالديمقراطية تحقق مبادئ الإسلام في الحكم وفي ظلها يقوم نظامه المنشود ولذلك فإن أنصار الله يعترفون بالديمقراطية ويقرونها ويرون أنها لا تتعارض مع الإسلام بل تحقق مقاصده , فالعبرة بالجوهر وليس بالمسمى.

(و) المـرأة والتعـامل معهـا:

        كانت المرأة قبل الإسلام مهضومة الحقوق ومضطهدة من المجتمع  فمكانها في مؤخرة المنزل وتورث من ضمن المال وليس لها حق ملكية أي شئ حتى نفسها ، وكانت تدفن وهي طفلة حية مخافة العار في المستقبل وكان الرجل إذا أنجبت زوجته بنتاً هجرها وابتعد عنهاوأخفى خبرها عن الناس لأنه يعتبرها عارا عليه قال تعالى :
” َإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ﴿58﴾ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ” [النحل: 58 – 59]
الأصول المايزة وأوجه التقارب

جاء الإسلام وأبطل كل تلك المفاهيم والعادات وحقق للمرأة كرامتها وإنسانيتها وأنزل سورا فى القرآن الكريم تتناول شئونها . لقد ساوى الإسلام بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات وأكد قائلاً :” مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ” [النحل: 97] وخاطب الإسلام المرأة بأحكام الشريعة كما خاطب الرجل  قال تعالى :” إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا”  [الأحزاب: 35] والمرأة تدعو للإسلام كما يدعو الرجل وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتسعى في كل شئون حياتها مثل التجارة والصناعة والزراعة وجميع الأعمال التي تليق بها وبأنوثتها وتحفظ كرامتها .. إنها الشق الآخر للنوع الإنساني .. وهنالك نساء حفظ التاريخ أسماءهن مثل مريم وخديجة وعائشة وفاطمة وبلقيس ورابعة العدوية ورابحة الكنانية التي قطعت الفيافي والصحاري على قدميها لتخبر المهدي بتحركات جيش العدو .

إن الأنصارية تحترم المرأة وتعترف لها بحقوقها وتدعوها للقيام بدورها الذي طلبه منها الشرع فهي مكرمة أما وأختاً وبنتاً وزوجة أعطاها الإسلام الحق في التعليم والحق في العمل والقيام بالأنشطة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية .

مقارنة بين اطروحات المدرسة المهدية والمدارس الأخرى :

        عند المقارنة بين المدرسة المهدية والمدارس الأخرى نجد أن المدرسة المهدية قد نظرت إلى الدين باعتباره أمرا حيا يتفاعل مع الحياة في كل مراحلها مصداقا لقوله تعالى: ” وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴿52﴾ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ  ” [الشورى: 52- 53] بينما تعاملت كثير من المدارس مع الدين كأنه نصوص جامدة وشكليات لا روح فيها وذلك كما يلى :- الأصول المايزة وأوجه التقارب

  • المهدى اعتبر المهدية وظيفة إحيائية تجديدية والمدارس الأخرى اعتبرتها انتظارية طوباوية مرتبطة بأشخاص وتوقيتات ومواقع.
  • المهدية دعت إلى تجاوز المذاهب والطرق وكثير من المدارس الاسلامية دعت إلى التقيد المذهبي.
  • المهدية دعت إلى الاجتهاد وهنالك مدارس ترفض الاجتهاد وتدعو إلى التقليد وفهم الإسلام كما فهمه السلف.
  • المهدية ميزت بين ثوابت الدين ومتغيرات الحياة بينما كثير من المدارس تخلط بين الثوابت والمتغيرات.

مستقبل الدعوة الإسلامية :

        نحن نعيش في عالم متغير لا يشبه العالم القديم في نظمه وعلاقاته وابتكاراته فالدولة ليست الدولة, والنظم ليست النظم, والمفاهيم ليست المفاهيم, هذا العالم يحتاج إلى منهج جديد في التعامل وأطروحات المدارس المنكفئة غير قادرة على مواجهة المتغيرات لأنها تخاطب مفاهيم غير موجودة في عصر العولمة فعالم اليوم ينشد التسامح والموضوعية والتعاون والحريات والحوار فالمدرسة المهدية الصحوية قادرة على مخاطبته بما يتميز به منهجها من مرونة وإحاطة وتجديد يمكنها من التعامل مع كافة الأشكال والنظم قال تعالى: ” قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” [يوسف: 108] الأصول المايزة وأوجه التقارب


[1]  أخرجه ابن عساكر في تاريخه (6/201) والعجلونى في كشف الخفاء (1/118) والعقيلى في الضعفاء (2/159) . الخضراء السماء . المختار(139) المصدر: موسوعة أصول الفكر السياسى والإجتماعى والإقتصادى من نبع السنة الشريفة وهدى الخلفاء الراشدين . إعداد خديجة النبراوى المجلد الثانى (1085)

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى